اعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في كلمته
خلال القداس الاحتفالي الذي دعت إليه "القوات اللبنانية"، في "ذكرى
شهداء المقاومة اللبنانية"، في معراب، اعتبر أنّ "الواقع الذي نعيشه في
الوقت الحاضر، واقع اصطناعي مغشوش، قام على وهم سيطرة مفترضة من قبل محور الممانعة
المحلي بمساندة ومساعدة عسكرية ومالية وسياسية لا حدود لها من محور الممانعة في
المنطقة. قام على انهزامية وخوف من مواجهة الحقيقة عند البعض، كما قام على فساد ما
بعده فساد عند البعض الآخر".
ولفت إلى أنّ "الغد لنا ولكلّ لبنانيّ يفكّر
بمنطق الغد لأنّنا لا نفكّر أبدًا بمنطق السّيطرة، ولأنّنا بعيدون كلّ البُعد عن
المصالحِ الشخصيّة والحزبيّة الضيّقة وعن مقايضة الثوابت والمبادئ والمُسلَّمات
بحُفنَةٍ من المناصب والدولارات. الغدُ لنا، لأنّنا بعيدون كلّ البُعد عن أيّ روحٍ
انهزاميّة مُتلوّنة مُسايرة، ولأنّ الاستقامة والشفافيّة والنّزاهة والصّدق هي
عنوان الخدمة العامّة بالنسبة لنا".
وجزم أنّه "حان الوقت لأن نحسم النقاش حول الأمور
الخلافية الأساسيّة التي تمنع قيام دولة فعليّة، وتُبقي لبنان ساحة فوضى وفساد
وعدم استقرار. وبالأحوال كافّة، للذي يحاول تعييرنا بأنّنا قليلو العدد نقول له:
إنّ الكِرامَ قليلُ، وما همَّ من كانَ قليلُهُ مثلَنَا، شبابٌ تَسامى للعُلا
وكُهولُ".
واعتبر أنّه "إذا كان البعض يعتقد بأنّه في نهاية
الحرب التي نمرّ بها، ومهما كانت نتائجها، فإنّ المجموعة الدولية كما العربية
ستفاوض محور الممانعة بخصوص مستقبل لبنان، لأنّه الفريق المدجج بالسلاحِ، فهذا
البعض هو مخطئ".
وأكّد رئيس "القوّات" أنّ "أحدًا لن
يقبل بأن يعود الوضع في لبنان إلى ما كان عليه قبل الحرب، وأن تستمرّ الدولة في
فُقدان قرارها وتفكّكها. الجميع في اليوم التالي للحرب، سيتفاوضون مع من يملك
مفاتيح اليوم التالي، مفاتيح المستقبل، مع من يملك الرّؤيا والخطّة والإصلاح، لا
مع الذي لا رؤية له إلّا الحرب، ولا إصلاح لديه إلّا التجارات الممنوعة والاقتصاد
الرديف".
وشدّد جعجع على أنّ "موقفنا كقوات لبنانية من
"القضيّة الفلسطينية" لا لُبسَ حوله، فلا يمكننا أن نتجاوز نضال الشعب
الفلسطيني الهادف إلى إقامة دولة تعبّر عنه، ولا يمكننا أن نتجاوز الآلام والدماء
والدموع على مدى نحو قرن من الزمن، وصولًا إلى ما تعانيه غزة اليوم"، مبيّنًا
"أنّنا مع القضيّة الفلسطينيّة ليس على أساس دينيّ أو عرقيّ، بل على أساس
الحقّ والعدل، في الوقت الذي نحن فيه ضدّ السلاحِ الفلسطينيّ على أرض لبنان. هذا
ما أدركته القيادة الفلسطينية مشكورة، ولو بعد حين، وهذا ما يجب أن تكون عليه
العلاقة بين الشعبين اللبناني والفلسطيني".
وأعلن "أنّنا نتضامن أشد التضامن مع الشعب
الفلسطيني ومعاناته الهائلة في غزة وغيرها. نتضامن مع الشعب الفلسطيني بما لنا من
قدرة وطاقة عليه، تضامن صادق من القلب، تضامن صافٍ ومباشر، ومن دون ادّعاءات فارغة
ولا بهورات في غير محلّها، ولا استعراضات لا تُغني ولا تسمن، ولا على ضهر البيعة
في سياق استراتيجيّات أخرى لها أهداف ومَرام أخرى. للشعب الفلسطيني كل الحق في أن
يعيش بسلام وأمان وكرامة، مثل أي شعب في العالم، وفي أن تكون له دولته المعترف بها
دوليًا".
وأفاد بـ"أنّنا نتضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته
العادلة، التي يجب أن تتضافر الجهود الدولية والعربيةـ لإيجاد حل شامل لها على
أساس القرارات الدوليّة والمبادرة العربية للسلام التي أقرت في قمّة بيروت عام
2002، أي حل الدولتين. فلا يُزايدنّ أحد علينا في هذا المجال، ولا يُحاولَنّ أحد
أن يستغلّ القضيّة الفلسطينيّة لتقوية مصالحه وتعزيزها داخل لبنان وداخل الإقليم،
وللتغطية على قتاله للفلسطينيين بالذات في مخيم اليرموك وغيره لسنوات خلت، أو أن
يستخدمها مطيّة وأداة لتصفية حساباته السياسيّة في الداخل، ولتبرير خُروجه المُشين
والفاضحِ على السّلطات والقوانين والدولة والمبادئ ضاربًا عرض الحائط بالمصلحة
اللبنانيّة ومغامِرًا بلبنان ودوره ومستقبله".
إلى ذلك، رأى رئيس "القوات" أنّ "محور
الممانعة يزجّ بلبنان في حرب عبثيّة لا أفق لها. حرب يرفضها اللبنانيون وفُرضت
عليهم فرضًا، لا تمُتّ إلى قضاياهم ومصالحهم بصلة، ولا تخدم إلّا مشاريع ومخططات
خارجيّة. هذه الحرب التي انخرط فيها "حزب الله" يجب أن تتوقّف، قبل أن
تتحوّل إلى حرب كبيرة لا تُبقي ولا تَذَرُ"، متسائلًا: "كيف يسمح
"حزب الله" لنفسه بأخذ اللبنانيين إلى حيث لا يريدون، وإلى حيث يريد هو
فقط وبما يخدم مشروعه وارتباطاته؟".
وتساءل: "من أجاز لـ"حزب الله" وأعطاه
التفويض لأن يُصادر قرار اللبنانيين وحريّتهم ويحتكر قرار الحرب والسلم، وكأن لا
دولة ولا حكومة ولا سلطة ولا مؤسسات ولا شركاء له في البلد، ولا شعب حتى؟ كيف
يُعقل أن يكون لبنان الدولة العربيّة الوحيدة المتورّطة في هذه الحرب؟ لماذا لم
تتحرّك جبَهات دول الطوق والجوار وأوّلها الجبهة السوريّة، سوريا الصمود والتصدي،
وهي في صلب محور المقاومة؟".
وسأل أيضًا: "لماذا يُزَجّ بلبنان وحده ويُستدرَج
إلى التدمير والخَراب، وهو العاجز عن تحمّل أدنى أدنى أدنى تبِعات الحرب وفاتورتها
الباهظة، وهو لا يمتلك الحدّ الأدنى من مقوّمات الصّمود والمواجهة، ودولته
متحلّلة، وفي ظلّ فراغٍ رئاسيّ متمادٍ، وحكومة تصريف أعمال، ومجلس نواب معطَّل
وممنوع عليه حتّى انتخاب رئيس للجمهوريّة؟".
وركّز جعجع على أنّ "هذه حرب لا يريدها
اللبنانيون، ولم يكن للحكومة رأي فيها وكلمة. هذه حرب لا تخدم لبنان، ولم تُفد
غزّة ولم تُخفّف من مُعاناتها وأوجاعها قَيد أنملة، وأحداث الأشهر العشرة الأخيرة
خير دليل على ذلك. ويريدونَك أن تُصفّق لهم وتشُدّ على أيديهم، وتقبل صاغرًا بما
خططوا له ونفّذوه، ضاربين عرض الحائط بالدولة وسلطتها وسيادتها وكلّ المواثيق
والأعراف، وإذا لم تفعل تُصبح خائنًا وعميلًا؛ فيما هم يمثّلون قمّة العمالة
والارتهان لمصالح دولة ومشروع غير لبنان".
ولفت إلى أنّ "على مَن تورّط في هذه الحرب من حيث
يدري أو لا يدري، وعلى من أخطأ في حساباته، أن تكون له شجاعة الخروجِ من هذه الورطة
القاتلة، ومن مشاريعه وارتباطاته الاقليمية. هذا أمرٌ ممكن ومُتاح إن توافرت
النيّة السياسيّة والحسّ الوطني"، موضحًا أنّ "هذا أمرٌ سهل، ولا يتطلّب
إلّا الالتزام بتنفيذ القرار 1701 بكلّ مندرجاته، ونشر الجيش اللبنانيّ على طُول
الحدود الجنوبيّة لحمايتها، وتأمين سيادة الدولة على كامل أراضيها، وحصر قرار
الحرب والسّلم بيد الحكومة اللبنانيّة لوحدها".
وطلب من الحكومة اللبنانية "التي هي صاحبة الدار
والقرار، أن تدعو "حزب الله" إلى وقْف هذه الحرب العبثيّة التي لا مبرّر
ولا أُفُق لها. أن يفعلها الحزب متأخرًا خيرٌ من أن لا يفعلها أبدًا، لأنّ ما
خسِرناه على فداحته قليل مقارنة بما قد نخسرُهُ لاحقًا"، مشدّدًا على أنّه
"على "حزب الله" أن يتحلَّى بشجاعة اتخاذ الموقف الوطنيّ الصحيح،
لأنّه لا يكفي أن يتحلّى بشجاعة القِتال فقط. أمّا إذا أصر على الاستمرار في الحرب
والهروب إلى الأمام، فإنّ عليه أن يتحمّل لوحده العواقب والمسؤوليّة أمام الله
والوطن والشعب والتاريخ".
وتابع جعجع: "إذا كان الحزب أخطأ في حساباته وفي
دخوله الحرب "فالرجوع عن الخطأ فضيلة"، ولكن الأهم عليه ألّا يُخطئ في
حساباته لما بعد الحرب، أيّا تكن نهايتها ونتائجها، للارتداد إلى الداخل ومحاولة
فرض معادلات معينة وتحصيل مكاسب والتعويض عن خسائره، أو لترجمة ما يَدّعيه ويتوهمه
انتصارا".
وجزم على أنّه "لا يعتقدنّ أحد في لبنان مهما بلغ
من فائض قوّة، أنّ بإمكانه تغيير هويّة لبنان أو المَسّ بخصائصه وتوازناته، أو
تزوير تاريخه وأخذه إلى مكان آخر لا يشبهه، وإلى دور آخر يتعارض مع دوره
التاريخيّ. لبنان كان وسيبقى أرض الحريّة والكرامة والحضارة والتنوّع، الملتزم
بالقضايا العربيّة والمواثيق الدّوليّة. لبنانُ كان وسيبقى سيدًا حرًا مستقِلًا،
وأبواب القذائف والمسيّرات والصواريخِ على أنواعها لن تقوى عليه".
وأكّد أنّ "سلاح "حزب الله" يَمَسّ
جوهر التعايش اللبناني، وجوهر مفهوم الدولة، وليس هناك أيّ منطق يقبل بمعادلة
قِيام دولة إلى جانب الدولة، ولا يُمكن التعايش بينهما. فلنَترُك للدولة حصرية
السلاحِ حسب القوانين والدستور، ولا نعبث بمستقبل وطننا خدمةً لمشاريع إقليميّة لا
طائل منها".
وتوجّه إلى "حزب الله"، قائلًا: "إنّ
سلاحك لا يَحمي الطائفة الشيعية، كما أنّ أيّ سلاحٍ لا يحمي طائفةً في لبنان. وإن
كانَ هناك من حماية، فهي حتمًا في كَنف الدولة الفعليّة العادلة القادرة،
فالضمانات من مسؤوليّتها، وطمأنة بعضنا البعض من مسؤوليتنا جميعًا". وفسّر
أنّ "ما نريده ونعمل من أجله، هو الغد لنا، جميعًا كلبنانيين، فقد آنَ الأوان
أن نخرُجَ معًا من الماضي لكي نبنيَ المستقبل، بناءً يجسّد طموحات كلّ مُكوّن منّا
بعيدًا عن منطق الهواجس الظرفيّة أو الوجودية".
ووجد جعجع أنّ "ملاقاة بعضنا البعض في الوطن، من
شأنها تبديد كلّ المخاوِف وإسقاط كلّ الرهانات الخارجية من أيّ جهة أتَت. إنّ أوّل
خُطوة غاية في الإلحاح في الوقت الحاضر، هي انتخاب رئيس للجمهورية. إنّ انتخاب
رئيس الجمهورية يجب ألّا يكون موضع مساومة، بل يجب أن يبقى مستندًا إلى قواعد
دستورية واضحة لا لُبْسَ فيها ولا تخضع لأي اجتهاد".
وأكّد أنّ "على رئيس مجلس النواب نبيه بري أن
يدعُوَ وكما نصّ الدستور، إلى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية، حتى التوصّل إلى
انتخاب رئيس للجمهوريّة. وليَفُز مَن يفُز، ويلقى التهنئة والمُباركة من الجميع،
بدلًا من أن نَظل في دوامة التعطيل والدعوات العقيمة إلى حوار، جرى ويجري كلّ يوم
ومن دون أن يؤدّي إلى أيّ نتيجة. على بري أن يفكّر ويتصرّف من موقعه الدستوريّ
المسؤول كرئيس لمجلس النواب، وليسَ مِن موقعه السياسيّ كطرف وحَليف لحزبٍ لديه
حسابات أبعد مِن رئاسة الجمهوريّة وأبعد من لبنان حتّى".
وجزم "أنّنا لن نقبل وتحت أيّ ظرف من الظروف بأن
يَفرضَ فريق لبنانيّ موقفه ومرشّحه على كلّ الآخرين، وأن يَضع يدَهُ على رئاسة
الجمهوريّة وأَن يُمعن في التّعطيل والتزوير"، مشيرًا إلى أنّ "الطريق
إلى قصر بعبدا لا تمُرّ في حارة حريك، والدخول إلى قصرِ بعبدا لا يكون من بوابة
عين التينة، ووفقَ شُروطها وحوارها المُفتَعَل. الطريق إلى قصرِ بعبدا تمرّ فقط في
ساحة النّجمة ومن خلال صندوق الاقتراع".
ولفت جعجع إلى أنّ "مسألة رئاسة الجمهوريّة تعني
جميع اللبنانيين والمسيحيين مِنهُم بشكل خاص، عملًا بقواعد النّظام. ولا يُمكن لأي
فريق مهما جبر وتجبّر ورفع الصوت وتوعّد، أن يحتكر ويتحكّم وينسف التوازنات
والشراكة الوطنيّة، ويبتدع سوابق ويستحدث أعرافًا تصبح أقوى من الدستور وفروعًا
تصبح هي الأصل والأساس".
وأضاف: "يشترطون حوارًا لانتخاب رئيس الجمهوريّة،
ويرفضون حوارًا لإنقاذ الوطن من براثن الحرب وإخراجه من النّفق المظلم. عندما
يعجزون عن فرض مرشّحهم والرئيس الذي يريدون، يطرحون الحوار للتّحايُل على الواقعِ،
وليُحقّقوا عن طريقه ما لم يستطيعوا تحقيقه عن طريق القواعد والآليّات الدستوريّة
والديمقراطيّة. وعندما يريدون التفرّد بقرار الحرب وسَوْق لبنان واللبنانيين إلى
أتون حربٍ لا قدرة ولا طاقة لهم عليها، يرفضون الحوار ويتجاهلون الدعوات النيابيّة
الملحّة والمُحقّة لمناقشة الحكومة في مجلس النواب حول الحرب".
ونوّه إلى أنّ "هُنا يَحضُرُني قولُ الإمام
المغيّب السيّد موسى الصدر: "أنا لا أنكِرُ وجودَ ظالِم ومظلوم. ولَكِن لا
نريدُ أن نُحوّل المظلوم إلى ظالم، والظالم إلى مظلوم"، مستخلصًا أنّه
"عندما يتحكّم اللامنطق واللاشراكة واللامساواة بالعمل السياسي في لبنان،
وعندما يتمّ كلّ يوم الدَوس على الدستور وضرب عرض الحائط بالقوانين والأعراف، تكون
النتيجة كما نعيشها اليوم: تحلُّلٌ شِبه تام للدولة، وطنٌ مُستباح، مواطنٌ متروك
لمصيره. وهذا ما لن نقبل باستمراره على الإطلاق".