مروان قبلان
بات مرجحاً توجّه إيران إلى أن تصبح دولة عتبة نووية،
بمعنى امتلاك المعرفة (knowhow) والإمكانات
لإنتاج سلاح نووي حال قرّرت ذلك. ويبدو أنّ الظروف تخدمها بهذا الشأن، مع تنامي التحدّيات
التي تواجهها إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، داخلياً وخارجياً، فعدا عن ضعف وضعه
داخلياً، لأسباب مرتبطة بالاقتصاد وموجة الوباء الجديدة والانقسامات داخل صفوف حزبه
واحتمالات خسارته الانتخابات النصفية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تستفيد إيران
من تصاعد حدّة التوتر بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا، فقد باتت موسكو تميل إلى تأييد
التشدّد الإيراني في المفاوضات، وذلك لإنتاج مزيد من الصعوبات في وجه إدارة بايدن.
وتستفيد إيران أيضاً من احتدام المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة.
التوتر مع الصين وروسيا، وعزوف إدارة بايدن عن التورّط في حربٍ جديدةٍ في الشرق الأوسط،
يعنيان أنّ هذه الإدارة لا تملك فعلياً خياراً عسكرياً تجاه إيران لو فشلت المفاوضات
النووية، وقرّرت هذه المضي في برنامجها النووي. بهذا المعنى، كلما ازداد التوتر وعمّت
الفوضى في النظام الدولي، وعلى المستوى الإقليمي، كان هذا أفضل لإيران.
لكنّ بلوغ العتبة النووية، وتزايد التوتر والفوضى
في الإقليم والعالم لا يعني، بالضرورة، أنّ إيران باتت في وضع استراتيجي أفضل، أو أنّ
نظامها بات أكثر أمناً. على العكس، قد تدفع هذه التحولات نحو جعل الأمور أسوأ لإيران
والمنطقة، فعدا عن أنّ خصوم إيران في الإقليم (الخليج وتركيا) سوف يحاولون امتلاك خيار
نووي بدورهم بمجرّد أن تعلن إيران نفسها دولة نووية، ما يزيد من مخاطر استخدامه في
منطقة تنعدم فيها شروط الردع النووي، بسبب انتشار الفوضى والتطرّف، وافتقار نظم المنطقة
الحاكمة إلى العقلانية، فإنّ الحصول على سلاح نووي لا يعني أيضاً أنّه باتت لدى النظام
الإيراني بوليصة تأمين.
منذ ثورة عام 1979 لا يملك النظام الإيراني استراتيجية
خلاف استراتيجية البقاء (survival). وقد
سخّر كلّ إمكانات البلد ومقدّراته لخدمتها. شعور النظام الإيراني بالاستهداف، وبوجود
مؤامرة دائمة لإسقاطه، دفعه إلى تبنّي كلّ خيار ممكن للاستمرار، من اقتحام السفارة
الأميركية عام 1978، بزعم وجود مؤامرة تحاك داخلها للتواصل مع ضباط في جيش الشاه لقلب
نظام الثورة، إلى استيراد السلاح من إسرائيل لهزيمة العراق خلال الحرب معه، وصولاً
إلى تبنّي استراتيجية "الدفاع عن النظام من خارج إيران" والتي عبّر عنها
بوضوح قائد استخبارات الحرس الثوري، مهدي طايب، بقوله: "سورية أهم من خوزستان
(الأحواز)، ولو خسرناها سنخسر طهران". لكنّ تطوير عقيدة عسكرية وأمنية غير تقليدية
تتمثل في اختراق مجتمعات الدول المجاورة، وتفكيكها، وإنشاء مليشيات موالية فيها لمواجهة
القوى المعادية بعيداً عن أراضيها وإلهائها عن محاولة ضربها، لم يكن كافياً بنظر طهران
للحفاظ على نظامها، فبرز الخيار النووي باعتباره ضمانةً أفضل. وتعتقد إيران أنّ الولايات
المتحدة ما كانت لتغزو العراق أو ليبيا لو كان لدى صدّام حسين أو معمر القذافي سلاح
نووي. في المقابل، تغيرت معاملة واشنطن لنظام بيونغ يانغ، منذ صار لديه سلاح نووي عام
2006 (باتت تجلس معه، تفاوضه، يذهب رئيسها إليه ويربت فوق ذلك على كتفه).
قد تكون إيران محقّة في هذه النقطة، وقد تكفّ، بحسب
تحليلات، إذا شعرت بالثقة والأمان عن تعميم الخراب في المنطقة، لولا أن فاتها هنا أنّ
السلاح النووي لا يفيد كثيراً إذا فقد النظام شرعية بقائه داخلياً والمستمدة من توفير
حياة حرة وكريمة لشعبه، فقد كان الاتحاد السوفييتي يمتلك 6000 رأس نووي عندما انهار،
وكان نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا نووياً عندما أخذت علامات تصدعّه تبرز، وبرويز
مشرف كان يجلس فوق مائتي رأس نووي، عندما أطيح في باكستان... قد يفيد امتلاك سلاح نووي
حقاً في منع عدوان خارجي، وفي تعزيز شعور الأمة بالفخر أنّها باتت قوة نووية، لكنّ
الجزء الأكبر من المخاطر والتهديدات التي تواجه دول منطقتنا تكمن، كما صار واضحاً،
في سوء الإدارة وفشل التنمية وضعف التمثيل وغياب الحريات وامتهان كرامة الشعوب، وهذه
كلّها لا يفيد في التعامل معها سلاحٌ نووي، إلّا إذا كان أحد أسباب امتلاكها أيضاً
استخدامها في الداخل، كما استخدم الكيميائي، وهذا سبب أوجب لمعارضة انتشارها.
المصدر: العربي الجديد.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".