تركة رئيسي الثقيلة
أيار 22, 2024

مروان قبلان

ليس تفصيلاً عابراً حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومقتله مع آخرين، إن لم يكن لشيء، فلأنه يعطينا مرّة أخرى صورة واضحة عن كيفية إدارة إيران أزماتها، سواء على المستوى الإعلامي أو العملياتي، وعن وضع مؤسّساتها وأجهزتها، وإمكاناتها المدنية، والعسكرية. ورغم أن الراجح كون الطائرة تحطمت بفعل الأحوال الجوية السائدة، الا أن هذا لا يمنع وجود تساؤلات عديدة مرتبطة بالكفاءة والفعالية، مثل أن طائرة الرئيس فقط هي التي تأثرت بالعاصفة من بين ثلاث طائرات كان يضمها موكبه (ما يطرح أسئلة بشأن جهوزية طائرة الرئيس وإجراءات الأمن والسلامة فيها)، ومفارقة أن طائرات المرافقة التي يفترض بها أن تحمي الرئيس تركته من دون حماية ووصلت هي دونه إلى برّ الأمان.

ليس هناك شك في أن عملية استبدال رئيسي سوف تجري بسلاسة في أروقة النظام الايراني، لوجود آليات دستورية تحكمها، كما أن من غير المحتمل أن تكون لغيابه تداعيات آنية في وضع ايران الداخلي أو في سياساتها الخارجية والأمنية، خاصة في المنطقة العربية، فهذه السياسات لا يحدّدها، كما هو معروف، الرئيس أو وزير الخارجية، بل المرشد والحرس الثوري الذي يلعب دورا محوريا في وضعها وتنفيذها، في حين تترك للرئاسة والخارجية مهمّات قيادة العمل الدبلوماسي الذي لا يعكس دائما، ولا يتفق بالضرورة مع العمل الميداني، كما أوضح وزير الخارجية السابق، جواد ظريف، في تسريباته الصوتية، وفي مذكّراته التي نشرها أخيراً، فالقول الفصل هنا للحرس الثوري، وتحديدا فيلق القدس.

المشكلة الكبرى التي يفرضها غياب رئيسي على النظام إيجاد بديل له داخل المعسكر المحافظ يحظى بثقة المرشد، والحرس الثوري، وفي الوقت نفسه، يتمتّع بدرجة من القبول على الساحة الدولية، في فترة تتّسم بعدم اليقين في تاريخ إيران والمنطقة. فعلى مدى سنوات، وخاصة منذ تقديمه مرشّحاً عن التيار المحافظ في انتخابات 2017 الرئاسية، أمام الرئيس السابق حسن روحاني، ثم توليته السلطة القضائية تعويضا له عن خسارته الرئاسيات، بدأت عملية تصعيد رئيسي واعداده للعب دور مركزي في المشهد السياسي الإيراني، حتى بات يُنظر اليه الخليفة المحتمل للمرشد البالغ 85 عاما. وهذا تحديدا هو جوهر المعضلة التي سيمثلها غياب رئيسي بالنسبة للمعسكر المحافظ، وللمرشد نفسه، الذي ما فتئ يتقلص من حوله الرجال الذين يثق بهم أو يأتمنهم على تركته منذ مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في مطار بغداد عام 2020. من غير الواضح أيضاً ما اذا كان غياب رئيسي سيؤدّي إلى بروز صراعات على خلافته داخل المعسكر المحافظ، وفيما إذا كان ذلك سيمثل أيضا فرصة للإصلاحيين لاستعادة المبادرة بعد أن جرى تهميشهم تماما خلال السنوات الماضية. هل نرى أيضا عودةً لتيار أحمد نجاد (القوميين الأصوليين)؟ وفي حال لم يحصل أيٌّ من هذا، هل يمتلك المرشد، الذي تلقى ضربة كبيرة بفقدان رئيسي، الوقت الكافي لإعداد خليفة له؟ وإذا تمكّن من ذلك، هل يمكن له اختيار خليفة يحقق الاجماع الذي حظي به رئيسي داخل المعسكر المحافظ؟

ليس فقط أن البحث عن بديل لرئيسي لن يكون مهمّة سهلة بحد ذاتها، بل أيضاً لأن هذه العملية تجري في ظروف إقليمية ودولية صعبة، ورغم أن ظروف إيران كانت دائما صعبة منذ 1979، لكن صعوبتها الآن مضاعفة، نظرا إلى الظروف الإقليمية والدولية المحيطة، فهناك حرب غزّة المستمرّة منذ سبعة شهور، وكادت، لولا تدخّل إدارة بايدن، تفضي الى مواجهة مباشرة إيرانية -إسرائيلية، رغم أن احتمال اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله ما زال قائما. وهناك أزمة برنامج ايران النووي، والذي تتزايد المخاوف بشأنه في ضوء تصريحات مسؤولين إيرانيين عن احتمال إعادة النظر في عقيدتهم النووية، وماذا عن المفاوضات السرّية الجارية مع واشنطن، في مسقط، وغيرها من عواصم المنطقة؟ هل تتوقّف بانتظار أن تتعرّف واشنطن إلى شريكها الجديد في طهران؟ وهل تتزايد في الأثناء مخاطر وقوع خطأ في الحسابات بسبب وجود فراغ رئاسي في إيران، ورئيس "مشلول" في واشنطن بحملة إعادة انتخابه، فيما يقاتل نتنياهو في إسرائيل من أجل البقاء؟

المصدر: العربي الجديد.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".