د. وائل نجم
شهر نيسان
الجاري كان شهر الأعياد لدى المسلمين والمسيحيين في لبنان على حدّ سواء. احتفل المسيحيون،
غربيون وشرقيون، بالفصح. فيما احتفل المسلمون بعيد الفطر بعد أداء عبادة الصوم، ولكنّ
السؤال: بماذا عاد العيد على الناس في هذه السنة؟
قديماً قال
المتنبّي في قصيدة مشهورة بعد أن عاش المعاناة في مصر عند كافور الأخشيدي : "عيد
بأيّ حال عدت يا عيد، بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟!". واليوم وكما أسلفنا يسأل
الناس السؤال نفسه. بماذا يعود العيد عليهم في لبنان أو حتى في الجوار والعالم.
في لبنان تزداد
الأزمة الاقتصادية المعيشية حدّة واتساعاً وتأخذ بطريقها مزيداً من القطاعات الشعبية
وترفع نسبة الفقر والبطالة والعوز والحاجة فيما تغيب الحلول الحقيقية لدى المعنيين
بالحلّ، ويلجأ هؤلاء إلى تخدير الناس من خلال "خلق" المشكلات والاهتمامات
الموهومة كي تشغلهم عن الهمّ الأساسي وهو تحصيل لقمة العيش بكرامة والعيش بحرية.
في لبنان تتواصل
الأزمة السياسية ومعها يتواصل انسداد أفق الحلول فلا انتخار لرئيس الجمهورية، ولا تفعيل
لعمل الحكومة، ولا تجديد في الحياة السياسية على الرغم من إجراء الانتخابات النيابية
في أيّار من العام الماضي، ولا حس مسؤولية لدى الطبقة الحاكمة، ولا اهتمام حقيقي وجدّي
بإيجاد الحلول للذين يدّعون ويزعمون أنّهم يريدون مصلحة لبنان، والشعب يتوه في متاهات
الطائفية والمذهبية والسياسة الضيّقة والانعزال عن بعضه وكأنّ كلّ جزء من هذا الشعب
يعيش على كوكب آخر غير الأرض، وكأنّه لا يعيش المعاناة ذاتها في الكهرباء والماء والحياة
اليومية.
يعيش لبنان
كلّ هذه المعاناة ويعود العيد من دون أن يحمل للناس حلّاً أو أملاً بالانفراج. والحقيقة
أنّ العيد لا يحمل شيئاً؛ الحقيقة أنّ الناس هي التي تصنع الحلّ أو تصنع المأساة أو
تصنع الفرح والسعادة، فالعيد يعود على الناس بحال أفضل إذا أراد الناس ذلك، أمّا إذا
أرادوا أن يستمروا في حالتهم التي هم عليها فالعيد لا يحمل لهم الحلول عندها، ولذلك
نجد أنّ حالة المراوحة في لبنان متواصلة ومستمرة بل تتفاقم يوماً عن يوم، لأنّ اللبناني
لم يتخذ قرار الخروج من المأساة والمعاناة والأزمة بعد، ما زال يتمسّك بـ "القوقعة"
التي يعيش فيها وهى التي تخنقه تماماً كما يجري مع "دودة القزّ" التي تحيك
حول نفسها "الشرنقة" ثم تجد بعد ذلك أنّها ضحيتها.
وإذا ما خرجنا
من لبنان إلى المحيط والجوار الجغرافي فإنّ الحال لا يختلف كثيراً، فالعيد قد عاد على
هذا الجوار وهو على ما هو عليه، بل في حال أسوأ. ولعلّ ما يجري في هذه الأيام في السودان
أفضل مثالاً على ذلك حيث يعيش هذا البلد الشقيق مأساة الاقتتال الداخلي الذي يهدّد
بتفكّك السودان إلى دويلات، ولا ندري إذا ما كان ذلك جزءاً من مخطط يستهدف المنطقة
العربية برمتها.
وفي سوريا
والعراق وليبيا واليمن والخليج بشكل عام فإنّ الأمر ليس أفضل حالاً، فالمراوحة هي التي
تطبع المرحلة وتزيدها صعوبة وتأزّماً وحدّة، وهو ما ينذر أيضاً بما يكرّس واقع الانفصال
والانقسام وغياب الحلول، ويقابله استغلال الثروات من قبل الدول الكبرى في هذه البلدان.
وفي مصر فإنّ
العيد يعود إلى ربوع هذا البلد ولكنّ الناس لا تجد ما يسدّ رمقها وجوعها. فالسياسات
المتبعة أوصلت إلى هذه الحالة من الخطر الذي يهدّد هذا البلد الكبير والمهم.
وفي تونس الخضراء
عاد العيد ومعه عادت السلطة لممارسة أساليب العقود السابقة في القمع ومصادرة الحرّيات
وكأنّ قدر الناس التوانسة، بل كلّ العرب أن يعيشوا في ظل الهيمنة والاستبداد ومصادرة
حريتهم وثرواتهم أيضاً.
وفي فلسطين
حيث القضية المركزية للعرب والمسلمين تتواصل مأساة ومعاناة الفلسطينيين في ظلّ سياسات
الاحتلال المدعومة من قبل الحكومات الكبرى عبر العالم، ولكنّ الجديد الذي يحمل الأمل
في هذا العيد أنّ الفلسطيني استطاع أن يكرّس معادلة قوّة في مواجهة الاحتلال وصولاً
إلى تشكيل قناعة لدى الكثيرين من أبناء هذا الاحتلال مفادها أنّه لا مستقبل لهم في
فلسطين، ومن هنا يأتي أمل الأمة في أن يعود العيد في أعوام قريبة مقبلة وقد حمل معه
الحلّ والفرج القريب والكبير.
لا ينبغي للإنسان
أن يفقد الأمل، ولا أن يستسلم لليأس، فالعيد لا بدّ أن يعود يوماً وقد حمل الفرج والنصر،
ولكنّ الأمر متعلّق قبل ذلك بقرار الشعوب في تقرير مصيرها.