رندة حيدر
لم يسبق
أن أثارت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة مثل القلق الذي أثارته في لبنان تلك
التي شُنّت أخيراً ضد حركة الجهاد الإسلامي. ولا يعود هذا فقط إلى تهديدات الأمين العام
لحزب الله، حسن نصر الله، التي حذّر فيها إسرائيل من القيام باغتيالات لقادة الجهاد
الإسلامي الموجودين في لبنان، متوعداً بأنّ هذا الأمر لن يمرّ من دون عقاب، بل يعود
أيضاً إلى تداعيات التصعيد العسكري على مسألة الاتفاق على حلّ النزاع على ترسيم الحدود
بين لبنان وإسرائيل والوساطة التي يقوم بها عاموس هوكشتاين الذي كان في لبنان أخيراً،
وتزايد المخاوف من احتمال نشوب مواجهة عسكرية جديدة بين إسرائيل وحزب الله في حال عدم
التوصل إلى اتفاق بين البلدين.
ومما
يضاعف القلق وجود قيادات ل"الجهاد الإسلامي" في لبنان الذي سبق أن شهد عمليات
اغتيال لقياديين في حركتي الجهاد الإسلامي وحماس. ففي مايو/ أيار 2006، أدّى انفجار
سيارة مفخّخة إلى مقتل الأخوين محمود ونضال مجذوب القياديين في "الجهاد الإسلامي".
وفي 2018، أصيب القيادي في حركة حماس محمد حمدان بجروح جرّاء تفجير سيارته في مدينة
صيدا. والكلّ يعرف أنّ مقرّ الأمين العالم للجهاد الإسلامي زياد النخالة في بيروت،
ويحظى بحماية حزب الله. ذلك كله يجعل لبنان قريباً جداً من الحرب التي شنّتها إسرائيل
ضد تنظيم الجهاد الإسلامي، ويرفع منسوب القلق في بلدٍ يعيش مواطنوه خوفاً وقلقاً دائميْن.
والانطباع
السائد اليوم في لبنان بعد انتهاء العملية الإسرائيلية في غزة أنّ إسرائيل تستخدم غزّة
مرآة لما يمكن أن يحدُث في لبنان، إذا نفذ نصر الله تهديداته ضد إسرائيل.
وفي
الواقع، الدرس الأهم من العملية العسكرية الإسرائيلية في غزّة، كما يبدو من لبنان،
هو التخلي الإسرائيلي عن استراتيجية "الاحتواء" وعودة إسرائيل إلى أسلوب
الضربات الوقائية والاغتيالات. والمثير للمخاوف إقدام إسرائيل على شن عملية عسكرية
خاطفة ومفاجئة ضد "الجهاد الإسلامي"، بالاعتماد على معلوماتٍ استخبارية فقط،
ومن دون أن تُقدم الحركة على أي تحرّك فعلي على الأرض. ولهذا دلالة مهمة بالنسبة إلى
حزب الله الذي لم يكتف بإطلاق التهديدات ضد إسرائيل، بل عمد أيضاً إلى إرسال مسيّراته
في اتجاه كاريش في الشهر الماضي (أغسطس/ آب) من دون أيّ رد إسرائيلي عليها. يومها اعتبر
مراقبون إسرائيليون أنّ عدم الرد سيفسّر من الحزب على أنّه علامة ضعف، وأنّه كان على
إسرائيل الردّ على تهديدات نصر الله بالعودة مثلاً إلى أسلوب الاغتيالات، وذهب بعض
منهم إلى حد القول إنّه يجب عدم التخوّف من اغتيال شخصيات كبيرة، بحجّة أنّ من سيأتي
بعدهم سيكون أسوأ، مذكرين أنّه حتى الآن لم يحلّ قائد بمثل أهمية القائد العسكري لحزب
الله الذي اغتالته إسرائيل، عماد مغنية، في فبراير/ شباط 2008، كما لم يحلّ قائد بمثل
قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي اغتاله الأميركيون في
بغداد في يناير/ كانون الثاني 2020.
قبل
العملية العسكرية ضد الجهاد الإسلامي كانت الأجواء التي رشحت من إسرائيل بشأن المقترح
اللبناني لترسيم الحدود الذي نقله هوكشتاين إلى الإسرائيليين تميل إلى بعض الإيجابية،
لا سيما مع بروز مؤشّرات تدل على احتمال موافقة إسرائيل على المقترح اللبناني بشأن
الحصول على حقل قانا كله، مقابل ما سمّته مراجع إسرائيلية تبادل أراضٍ. لكن أجواء ضبابية
تسود إسرائيل بعد العملية. ويبدو واضحاً التوظيف الإسرائيلي لما حدث لحركة الجهاد الإسلامي
في غزة في الرد على تهديدات حزب الله الذي شدّد، أخيراً، على تصميم الحزب على منع إسرائيل
بالقوة من استخراج الغاز من حقل كاريش في الشهر المقبل (سبتمبر/ أيلول)، إذا لم يحصل
لبنان على حقوقه كاملة في حقل قانا.
فجأة،
أصبح استخراج الغاز من كاريش في شهر سبتمبر امتحاناً قاسياً وصعباً؛ من جهة هناك إسرائيل
التي تريد أن تثبت أن تهديدات نصر الله لا تخيفها، وستمضي في مشروعها من دون تردّد.
ومن جهة أخرى، هو امتحان لا يقل خطورةً وقسوة بالنسبة إلى حزب الله الذي إذا لم يجر
التوصل إلى حل للنزاع على ترسيم الحدود لن يتراجع عن تنفيذ تهديداته، فهل سيتحوّل موضوع
استخراج الغاز في لبنان من نعمةٍ يمكن أن تنقذ لبنان من الانهيار إلى نقمة ستجرّ عليه
حرباً تؤدّي إلى تدمير ما تبقى منه؟
المصدر:
العربي الجديد.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا
تعبّر عن "آفاق نيوز".