د. وائل نجم
منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى في السابع من شهر تشرين
الأول الماضي انخرط لبنان في هذه المعركة بشكل متدرّج بعد أن قام حزب الله في
اليوم الثامن من تشرين الأول بقصف مواقع الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا
اللبنانية المحتلة، ثم تدحرجت الأمور على الجبهة الجنوبية وراحت تأخذ كلّ يوم
منحىً تصاعدياً وتصعيدياً بحيث توسّعت رقعة المواجهات المباشرة لتشمل القطاعات
الثلاثة: الغربي على الساحل، والأوسط في منطقة بنت جبيل، والشرقي في مرجعيون
وحاصبيا، ودخلت على خط المواجهات للمرّة الأولى "كتائب القسّام" و
"سرايا القدس" حيث تمكّنت مجموعات منهما من الدخول عبر الحدود إلى شمال
فلسطين المحتلة والاشتباك مع قوات الاحتلال هناك، كما مارست كلّ منهما قصفاً
بالصواريخ استهدف مواقع الاحتلال ومغتصباته داخل الاراضي المحتلة. كما وأنّ
"قوات الفجر" التابعة للجماعة الإسلامية شاركت في عمليات قصف مواقع
الاحتلال واستهدفت إحدى العمليات مواقع الاحتلال في محيط مغتصبة "كريات
شمونة" في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وهكذا ظلّت الجبهة الجنوبية
محافظة على سخونتها اليومية تحاكي جبهة غزّة في الداخل، وظلّ الانتظار سيّد الموقف
لناحية إمكانية واحتمالات تحوّل هذه الجبهة من جبهة إشغال إلى جبهة مفتوحة بشكل
كامل وواسع.
وأمام مشهد العدوان المجرم على قطاع غزة حيث تستعمل
قوات الاحتلال كلّ أنواع القذائف والصواريخ في قتل المدنيين العزّل، وترتكب بحقّ
الأطفال والنساء والمشافي ودور العبادة من مساجد وكنائس كلّ أنواع الاعتداءات
والتدمير، فضلاً عن قصف واستهداف الأبراج السكنية كنوع من الانتقام لهزيمة
الاحتلال في السابع من تشرين الأول؛ وأمام مشهد تصاعد احتمالات انخراط لبنان في
مواجهة الاحتلال من خلال الجبهة الجنوبية، انبرى بعض اللبنانيين من الناشطين
والسياسيين والإعلاميين إلى إطلاق "وسم مرحلي" (هاشتاغ) تحت عنوان
"لبنان قضيتي" في محاولة لتحييد لبنان عن ما يجري في فلسطين على اعتبار
أنّ القضية تعني أهل غزة وربما حماس والقسّام على وجه التحديد ولا تعني غيرهم.
وهذا من أخطر أنواع التفكير الذي يعمل على تقسيم المجتمعات والأمم والشعوب
لاستسهال السيطرة عليها والتحكّم بها وسرقة مقدراتها وخيراتها وجعلها في حالة
عبودية لأصحاب القوة والسطوة والمال. وقد جهدت القوى الكبرى الطامحة للسيطرة على
العالم وعلى مقدرات وخيرات الشعوب إلى اعتماد هذا التفكير وآلياته وبالفعل تمكّنت
في مراحل سابقة من السيطرة على أمم وشعوب تفوقها عدداً بمئات آلاف المرّات،
وتفوقها على مستوى الجغرافيا مساحة أيضاً بمئات أو ربما آلاف المرّات، وكلّ ذلك
بفضل سياسة "فرّق تسُد".
وفي مقابل ذلك انبرى عدد كبير من اللبنانيين إلى إطلاق
"وسم مرحلي" (هاشتاغ) آخر تحت عنوان "طوفان الأقصى.. لبنان
يلبّي"، بمعنى يلبّي نداء الأقصى ويرى أنّ هذه المعركة الدائرة في غزة
وفلسطين لا تعني أهل غزة وحدهم، ولا الفلسطينيين وحدهم، بل تعني الأمتين العربية
والإسلامية وكلّ شريف حرّ في العالم، ولذلك فإنّ الانخراط فيها لا يعني نصرة أهل
غزة فحسب، بل يعني أيضاً الدفاع عن النفس أيضاً لأنّ التفكير الصهيوني ومن يقف
خلفه يريد النيل من كلّ المنطقة وشعوبها ولن يكون أيّ شعب أو منطقة بمنأى عن
أطماعه وعن أهدافه للسيطرة عليها والتحكّم بشعوبها ومقدراتها وخيراتها. وبهذا
المعنى هي معركة تستهدف اليوم أهل غزة ومقاومتها، ولكنّها غداً ستنتقل لتستهدف
منطقة أخرى وشعباً آخر وهكذا؛ والدليل على ذلك ما صرّح به وكشفه قادة في قوات
الاحتلال عندما أظهروا نيتهم في تهجير أهالي غزّة إلى مصر، وغداً أهالي الضفة
الغربية إلى الأردن، وبكل تأكيد يخفون ويبيّتون نيّة سيئة للبنان.
وأمّا فيما خصّنا نحن في لبنان فإنّ من مصلحة لبنان
المتحقّقة أن ينخرط في هذه المعركة ولا ينتظر كثيراً، ولا ينخدع أحد بأنّ الحياد
سيكون الخلاص للبنان؛ ربما يكون لطبقة من السياسيين تريد أن تظل متحكّمة برقاب
اللبنانيين وهي بالأصل مسؤولة عن معاناتهم اليومية جراء ما أوصلت لبنان إليه وهي
تبدي اليوم خشيتها على لبنان من أي عدوان إسرائيلي! والسؤال : ما الذي نشخى عليه
في لبنان، الكهراباء؟ هي أساساً غير متوفّرة. الماء؟ هي أساساً لا تصل إلى
المنازل. الطبابة؟ المرضى يموتون على أبواب المستشفيات دون أن يتمكنوا من دخولها.
التعليم؟ المدارس الرسمية في حالة إضراب شبه دائم، والخاصة تحوّلت هذا العام إلى
مسالخ. الدولة؟ رئاسة الجمهورية شاغرة، والحكومة مستقيلة ومجلس النوّاب شبه معطّل.
على ماذا نخشى؟! أمّا الثروة النفطية والغازية التي تمّ اكتشافها في البحر فقد
صارت في خبر "كان" لأنّ إرادة السيّد الأمريكي القوي أرادت ذلك، وهو
يريد أن يقرّر مصير معركته في غزة ومن ثمّ يقرّر بعدها مصير نفطنا وغازنا ويقرّر
أيضاً النسبة التي سيتصدّق بها علينا في مقابل أن نعمل عنده ولديه. وأمّا السياحة
التي كنّا نتغنّى بها فعلينا أن ننساها في زمن التطبيع مع كيان الاحتلال الذي
سيكون وجهة السائحين الأولى من دول التطبيع العربي. وتجارة الترانزيت لا تختلف عن
ذلك أيضاً خاصة بعد انفجار المرفأ. هذا فضلاً عن توطين اللاجئين الذي يخشى منه
كثير من اللبنانيين. على ماذا نخشى ونخاف إذاً ونطلق دعوة حياد لبنان عن الذي يجري
في فلسطين؟! هي معركتنا كما هي معركة فلسطين وفق قواعد المصالح قبل قواعد الإخوة
في الدين والعروبة والإنسانية والتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، ولكلّ ذلك
لبنان يجب أن يلبّي اليوم قبل الغد ولا يتأخّر في التلبية حتى لا يفوت الأوان.
الأراء الواردة في المقال
تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".