أيّ اتفاق وقّعه لبنان؟!
كانون الأول 28, 2024

‏بيار عقيقي

لم يتبقَّ على هدنة الستّين يوماً بين لبنان وإسرائيل سوى أقلّ من شهرٍ، إذ من المفترض أن تنتهي في 27 الشهر المقبل (يناير/ كانون الثاني) حدّاً أقصى، وسط معطيات لا تبشّر بإيجابيةٍ ما. يتعلّق الأمر بشكل أساس بما وقّعه الطرف اللبناني، لا في سياق "جلد الذات"، بل في إطار البحث عن مغزى الصمت الصادح للدولة اللبنانية وحزب الله على الخروقات الإسرائيلية المتمادية في الأراضي اللبنانية. تجاوزت هذه مائتي خرق، سقط بموجبها شهداء وجرحى، فضلاً عن منع الجيش اللبناني من الانتشار، كما هو مفترض في اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب الليطاني. بات ملحّاً السؤال عما وقّعه اللبنانيون في 27 الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، وعما يسمح للاحتلال بمواصلة تعدّياته من دون ردّ عسكري من لبنان الرسمي ومن حزب الله. قبل مناقشة مسؤولية الدولة والحزب في ما يجري في لبنان، وجب فعلياً مناقشة تفاصيل الاتفاق الموقّع لوقف النار من جهة، وفي رفع الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، بنوداً مختلفة عما وُقِّع من جهة أخرى، وفقاً لخطاباته بعد وقف النار. هذا في الجانب اللبناني، أمّا لدى الاحتلال، فإن "الضمانات" أو "الورقة الجانبية"، بين إسرائيل والولايات المتحدة، تبقى الأكثر تاثيراً على مسار العمل العسكري الإسرائيلي في لبنان.

ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أن التوقيع اللبناني كان محاولةً أقرب إلى تفادي الأسوأ من الاحتلال الإسرائيلي، رغم أن ما مرّ كان أشرس ما مرّت به أيامنا اللبنانية. وهو ما يطرح أيضاً نقاشاً حول "تهريب" اتفاق وقف إطلاق النار، من دون مناقشته في البرلمان اللبناني، بل وعدم كشف بنوده بنداً بنداً، تحت قاعدة أن "الرأي العام لا يقرأ"، ما ترك اللبنانيين عموماً في حيرة من أمرهم، خصوصاً حين يرون في أرض الواقع عكس ما يسمعون.

يحمل توقيع الدولة اللبنانية، وفي مقدّمتها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس البرلمان اللبناني نبيه برّي، وهما بالمناسبة حليفان وثيقان لحزب الله، التباسات مشابهة، لتواقيع رسمية سابقة، جديدها أخيراً ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، التي وافق عليها الحزب وساهم في تمريرها ميقاتي وبرّي ورئيس الجمهورية السابق ميشال عون. ... حسناً، إذا كان الغموض مهيمناً على اتفاق وقف النار مع الاحتلال، فما الذي ننتظره بعد انتهاء مهلة الستّين يوماً؟ ببساطة، ما حصل نفسه في مرحلة ما بين الثامن من أكتوبر 2023، و23 سبتمبر/أيلول 2024، أي المرحلة التي كانت فيها حقبة المواجهات بين الحزب وإسرائيل محدودةً، وضمن "قواعد اشتباك" معيّنة، حينها، كان كلّ شيء غامضاً وملتبساً، قبل انفجار الوضع. المخاوف هنا مشروعة من تكرار مشهدية ما بعد 23 سبتمبر (2024) و27 نوفمبر، تحديداً لناحية أن "أنصاف الحلول" دائماً ما تؤجّج النيران بدلاً من إخمادها. الأغرب أن لا أحد قادر على إيجاد نوع من الطمأنينة في الداخل اللبناني، لا الدولة ولا حزب الله ولا المجتمع الدولي. وما يعزّز فرضية عودة الاعتداءات الإسرائيلية المتغيرّات الإقليمية، من سقوط بشار الأسد في سورية إلى تجديد الطائرات الإسرائيلية غاراتها على اليمن، واقتراب اتفاق وقف النار في غزّة. لذلك، الساحة اللبنانية ملزمة باتخاذ قرار ما بما يتعلّق باتفاق وقف النار مع الاحتلال، سواء بالردّ عليه عسكرياً في الأيّام الحالية، بما يعنيه من استيلاد معادلة ردع جديدة، أو مناقشة بنود ما وُقِّع في 27 نوفمبر، لأن كلفة الكذب غالية جدّاً. لكن لنكن واقعيين، لن يحصل ذلك، وسيبقى الغموض سائداً حتى 27 يناير، وبعدها ستكون الحقائق أصعب علينا نحن اللبنانيين، لأن كلفة تصديقها باهظة على الصعيد الفردي، لكنّها خطوة لا بدّ منها لوضع حدّ لكلّ مبادئ الهروب إلى الأمام.

المصدر : العربي الجديد

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".