الاستحقاق الانتخابي والتغيير المأمول
كانون الأول 02, 2021

د. وائل نجم

يبدو أنّ إجراء الانتخابات النيابية في السابع والعشرين من آذار من العام 2022 سيكون متعذراً، فهذا الموعد سقط مع تصريح رئيس الجمهورية الصريح بأنّه لن يوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي تصدره عادة وزارة الداخلية ويحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية، والأخير قد أكّد أنّه لن يوقّع المرسوم إذا كانت الدعوة للانتخابات ستكون يوم السابع والعشرين من آذار، غير أنّه حدّد أحد موعدين: إمّا يوم الثامن من أيّار وإمّا يوم الخامس عشر من أيّار من العام 2022 وقال إذا صدر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة ليوم من هذين اليومين سيوقّعه وسيسير به.

استحقاق الانتخابات النيابية بات على أقل تقدير مؤجّل أمام هذا الكلام من رئيس الجمهورية إلى أيّار المقبل في العام 2022، وربما يكون في خطر أيضاً في ذاك التاريخ إذ أنّ بعض القوى السياسية ما زالت تمنّي النفس بتأجيل الانتخابات والتمديد للمجلس النيابي الحالي حتى لا تكلّف نفسها عناء خوض الاستحقاق الانتخابي لأنّها تدرك أنّها ستخسر من رصيدها الشعبي من ناحية ومن عدد أعضاء كتلتها من ناحية أخرى، ولذلك هي تتمنّى أن لا تجري الانتخابات ويتمّ التمديد، وفي مقدمة هذه القوى الخائفة من الاستحقاق التيار الوطني الحرّ، وتيار المستقبل إضاقة طبعاً إلى قوى أخرى.

ليس المهمّ من يربح ومن يخسر، فهذه طبيعة العمل الديمقراطي والأنظمة الديمقراطية البرلمانية خصوصاً. المهمّ أن تجري الانتخابات وبشفافية ونزاهة ومصداقية وبعيداً عن الضغوط والممارسات المخلّة بنزاهتها أو المُهدّدة لحرّية الناخبين، وقد رأينا في مشهد انتخابات نقابة أطباء الأسنان ما لا يطمئن كثيراً حيث كان مشهد إلغاء الانتخابات بسبب الفوضى كفيلاً بإعطاء انطباع أنّ مصير الانتخابات النيابية قد يكون مشابهاً إذا لم يتمّ ضمان النتائج.

والمهمّ أيضاً أن تشكّل الانتخابات فرصة للتغيير المأمول والمنشود، وأن لا تكون صورة مكرّرة عن المجلس النيابي الحالي لأنّه عند ذلك ستفقد أهميتها وستعيد إنتاج الطبقة السياسية ذاتها بمعنى إعادة إنتاج الأزمة من جديد فضلاً عن منح الشرعية لهذه الطبقة.

غير أنّ التغيير المنشود والمأمول يرتبط بالدرجة الأولى بحجم قناعة الناخبين بذلك. يرتبط بمدى استعدادهم للقيام بالمطلوب من أجل التغيير والانطلاق بمسار الخروج من هذه الدوّامة والأزمة. فضلاً عن أنّه يرتبط أيضاً بمدى شفافية ونزاهة الانتخابات وعدم التدخّل بها بأكثر من طريق وأسلوب، وهذا بالطبع غير مضمون لأنّ الطبقة الحاكمة والمستفيدة من كلّ شيء، والمسؤولة عن الكارثة ستعمل كلّ ما بوسعها، وستستخدم كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة من أجل الفوز وتأكيد شرعيتها، ومن هنا يجب أن يحذر أصحاب المشروع التغييري، أو الذين يتطلعون إلى التغيير، يجب أن يحذروا من ذلك، وأن يتخذوا كلّ الإجراءات الكفيلة بصون الانتخابات من التزوير والتحريف واللعب بالنتائج.

كما وأنّ التغيير يتطلب الخروج من منطق العصبيات والمربعات الطائفية والمذهبية والحزبية، الخروج من حالة الخضوع للشخصيات التي تحتكر المشهد تارة بالعاطقة وطوراً بالكاريزما والقوّة وطوراً آخر باللعب على مشاعر الناس وعواطفها وطوراً باستفزازها المتبادل من خلال خطابات وتصرفات شعبوية كلّ هدفها التعبئة والتحشيد ضد الآخر لأنّ هذا المنطق يولّد تحشيداً وتعبئة مضادة فتكون الخدمة متبادلة.

التغيير يتطلب الثورة على الذين احتكروا قرار الناس تحت عناوين كثيرة وبرّاقة لعقود من الزمن، ثمّ وجد الناس أنفسهم أسرى أولئك وضحاياهم، وهنا يمكن القول إنّ كل هذه الطبقة السياسية مسؤولة عمّا آلت إليه الأمور والأوضاع في البلاد من خراب وأزمات اقتصادية وحياتية ومعيشية. سياساتهم هي التي أوصلت الوضع إلى هذا الدرك، فسادهم أو رعايتهم للفساد أو حمايتهم له هي التي جعلت الأمور تبلغ ما بلغت، وهم جميعاً شركاء في القرار والجريمة والمسؤولية. ثمّ يأتيك بعد ذلك منهم من يقول لم يدعوني أعمل، ولم يدعوني أغيّر، ولم يدعوني أصلح. أو يأتيك غيره ويقول لقد استهدفوني، لقد حاصروني، لقد حاولوا النيل من صلاحيتي. أو يأتيك ثالث ويقول إنّهم يتآمرون علينا، إنّهم يحيكون ضدنا التحالفات الداخلية والخارجية من أجل إسقاطنا وإخضاعنا لأنّهم يريدون أن ينهبوا ثروات البلد بالاشتراك مع الخارج، وهل بقيت ثروات؟ وهل بقي بلد حتى يُنهب؟!

خلاصة القول إنّ الانتخابات آتية آتية، إن لم تأت ِ في آذار فهي ستأتي في أيّار، لكن المطلوب أن يأتي التغيير الحقيقي. والتغيير الحقيقي يكون بإعطاء فرصة للقوى السياسية الحيّة والجادّة للمباشرة بعملية الإصلاح والتغيير. يكون بمنح الثقة لقوى جديدة موجودة وقائمة ومجرّبة في نزاهتها وشفافيتها وإخلاصها وتضحيتها أمام مجتمعها. بالوقوف خلف هذه القوى والأشخاص من أجل الشروع في الإصلاح الذي يقود إلى الخروج من الأزمة. والمسؤولية الأساسية والحقيقية تقع بالدرجة الأولى على عاتق الناخبين وأمامهم فرصة حقيقية لبداية التغيير، فهل سيكونون على قدر المسؤولية ؟ أم سيعيدون إنتاج القوى ذاتها لتتكرّر المأساة ذاتها ومن جديد؟! صناديق الاقتراع تجيب غداً عن هذا السؤال.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".