سياسة تركيا الخارجية المرتقبة
حزيران 07, 2023

مروان قبلان

أما وقد وضعت الانتخابات التركية أوزارها، بعد معركةٍ احتدمت حول هوية البلاد وتوجّهاتها السياسية، ينصرف الآن معظم الاهتمام في الدوائر الإقليمية والدولية إلى تتبّع أي تغييرات محتملة في سياسة تركيا الخارجية، خصوصا في ضوء تسلم رئيس جهاز المخابرات، حقّان فيدان، منصب وزير الخارجية خلفًا لمولود جاووش اوغلو. ويمكن استنادا إلى التوجّهات التي تبنّتها حكومة الرئيس أردوغان خلال العامين الأخيرين توقع سياسات تركيا الخارجية خلال السنوات القليلة المقبلة، ما لم تحصل مفاجآت، طبعا، تتطلب اتّباع سياسات متناسبة. مقارنة بالعقد الماضي الذي بدأ بثورات الربيع العربي، وشهد انخراطا كبيرا في مختلف الملفّات الإقليمية، يتوقع أن تصبح سياسة تركيا الخارجية أكثر تحفظًا في ولاية الرئيس أردوغان الأخيرة من دون تفريط بالمكاسب التي حققتها أو بحضورها المؤثر في المنطقة الممتدة من القوقاز إلى شمال أفريقيا.

دوليا، سوف تتمسّك تركيا بتحالفها البارد مع الولايات المتحدة في عهد بايدن، وستعمل على إدارة خلافاتها معها من دون ضجيج كبير، على أمل أن تصل إلى الحكم في واشنطن في انتخابات العام المقبل إدارة أكثر تفهّما لمخاوف تركيا الأمنية وتحدّياتها الإقليمية والدولية. في الوقت نفسه، لن تفرّط تركيا بعلاقاتها المتنامية مع موسكو، التي لم تُخف دعمها لإعادة انتخاب أردوغان، بعكس الحلفاء الغربيين الذين تمنّوا سقوطه. بناء عليه، سوف تلتزم تركيا بسياسة "التوازن المرن" التي تتبعها بين واشنطن وموسكو بحيث تستمرّ في رفض الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي العمل على إفشال محاولات فلاديمير بوتين الرامية إلى الهيمنة على البحر الأسود، في موازاة رفضها الالتزام بالعقوبات الغربية على موسكو. وسوف يستمرّ على الأرجح التعاون مع الكرملين في إدارة جملة من الصراعات الإقليمية التي تتباين فيها مصالح الطرفين (مثل سورية وليبيا والقوقاز الجنوبي). ويتوقع أيضا أن تتعزّز العلاقات الاقتصادية بين الطرفين في ضوء حاجة كل منهما الآخر في هذا المجال. سوف تحاول تركيا أن تفرض، فوق ذلك، شروطها بخصوص توسّع حلف الناتو ليضم السويد، بعد أن وافقت على ضم فنلندا، فيما تسعى للحصول على مزيد من الأسلحة الأميركية (طائرات أف 16 خصوصا) لتعزيز قدراتها الدفاعية. سوف تستمرّ علاقات تركيا مع الصين بالنمو خلال المرحلة المقبلة، أيضا، في ظل المصالح المشتركة الكبيرة التي باتت تربط بينهما، وسوف تستمرّ، بناء عليه، تركيا في انتهاج سياسة غضّ الطرف عن الانتهاكات الخطيرة التي يتعرّض لها الإيغور في تركستان الشرقية.

إقليميا، يتوقّع أن تستمر تركيا في اتباع نهج الانفتاح، الذي تبنّته في العامين الأخيرين، على مختلف دول الإقليم. فمن جهةٍ، سوف تحافظ على علاقاتها القوية مع قطر، وستعزّز، من جهة ثانية، روابطها الاقتصادية والسياسية مع السعودية وبقية دول الخليج. سوف تطرأ على الأغلب تطوّرات إضافية في العلاقة مع مصر في ضوء التحدّيات الاقتصادية التي تعترض الجانبين، وقد يساعد هذا، بتعاون من موسكو، في كسر الجمود الذي يخيّم على العملية السياسية في ليبيا بعد أن أفشلت تركيا بتدخلها عسكريا عام 2020 محاولات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وحلفائه الإقليميين الاستيلاء على طرابلس. قد يسمح التقارب مع مصر أيضا في تسوية مسألة ترسيم الحدود البحرية، وتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة، في شرق المتوسط، وفي تعاون أكبر ربما في إنتاج الطاقة. سوف تنمو، على الأرجح، علاقات تركيا الاقتصادية والسياسية مع إيران، رغم تعاطف هذه الأخيرة مع مرشّح المعارضة التركية، كمال كلجدار أوغلو، في الانتخابات الأخيرة، لكن واقعية أردوغان سوف تتغلب، كما دائما، في هذا الموضوع وسواه. يرجّح أيضا أن يستمرّ التحسّن في علاقة أنقرة بأرمينيا التي حضر رئيسها مراسم تنصيب أردوغان وسوف ينعكس هذا بطبيعة الحال زيادة في نفوذ تركيا في القوقاز الجنوبي على حساب إيران وروسيا.

في الملف الأكثر إلحاحا في سياستها الإقليمية (سورية)، سوف تتبنّى تركيا على الأرجح "مقاربة قطاعية"، بمعنى أنها لن تتردّد في التعاون مع النظام وحلفائه عندما تلتقي المصالح حول قضية معينة (قوات سوريا الديمقراطية وإخراج الأميركيين من شرق الفرات مثلا) لكنها لن تتردّد في المواجهة أيضا إذا اقتضت الحاجة، والاستفادة من ظروف ضعف منافسيها في موسكو وطهران.

المصدر: العربي الجديد.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".