لقاء بكركي التشاوري ورفض المثالثة بالممارسة.
كانون الثاني 18, 2019

الدكتور وائل نجم.

دعا البطريرك الماروني، بشارة الراعي، القيادات المسيحية من رؤساء أحزاب ووزراء ونواب وتيارات إلى لقاء تشاوري يوم الاربعاء ( 16/1/2019) في الصرح البطريركي في بكركي وذلك بهدف التشاور في القضايا الوطنية وليس تلك التي تعني الساحة المسيحية حصراً. وتردّد أن الدعوة وُجّهت إلى ست ثلاثين شخصية، سيحضر منها، وفق بكركي، ثلاث وثلاثون تمثّل كل الطيف المسيحي.

الهدف المعلن من الدعوة هو التشاور في القضايا الوطنية العامة وما يتصل منها بالنظام والدور والاستقرار وما سوى ذلك. أما في الجوهر، فإن الهدف من هذا اللقاء بشكل أساسي، التنبيه على المحاولات المستمرة لتغيير شكل النظام اللبناني من خلال السعي إلى فرض المثالثة بالممارسة.

من الواضح أن المسيحيين في لبنان بدأوا يستشعرون، بل يلمسون هذا المنحى لدى بعض الأطراف في الداخل وذلك في ضوء المواقف والأحداث والتطوارت التي جرت خلال الأعوام السابقة، وبرزت بشكل واضح وجلي خلال الفترة الأخيرة.

قبل سنوات رأى المسيحيون كيف أن قوى داخلية في لبنان عطّلت انتخاب رئيس جديد للجمهورية على الرغم من مشاركة قوى مسيحية في هذا التعطيل، إلا أن جوهر التعطيل الذي كان يجري تحت عنوان انتخاب رئيس قوي كانت تجري بهدف تكريس عرف جديد في المعادلة اللبنانية يكرّس في مكان ما مسألة "المثالثة" بحث أن أي "فيتو" من أي مكوّن من المكوّنات الرئيسية الثلاثة ينسف كل ما يتصل بالدستور والقانون وحتى الميثاق.

ثم جاءت مسألة إقرار قانون جديد للانتخابات وبررزت من جديد محاولات تكريس مبدأ "المثالثة" من خلال وضع "الفيتوات" على أي مشروع قانون لا يراعي هذه المسألة حتى لو تعارض ذلك مع الدستور والميثاق.

ثم برز هذا الموضوع بشكل أكثر وضوحاً بعد انتخاب الرئيس القوي حيث تمّ - إلى الآن - إفشال كل الصيغ التي طُرحت من أجل تشكيل حكومة جديدة جامعة على الرغم من إجراء الانتخابات النيابية وفق القانون الجديد، ولم تفلح قوة الرئيس القوي في ترجمة نفسها، لا من خلال المواد الدستورية، ولا من خلال غيرها، وبالتالي برز أن تشكيل الحكومة أو حتى تعيين أي موظف يحتاج إلى اتفاق مسبق، وإلى موافقة الأطراف الأساسية في المعادلة اللبنانية، وهو بطريقة أو بأخرى نوع من تكريس مسألة "المثالثة" بالممارسة.

ثم جاءت مسألة الضغط في قضية انعقاد القمة العربية الاقتصادية في بيروت، وما رافقها من أعمال واحتجاجات، ليؤكد أن العمل جار في مكان ما لإطاحة النظام السياسي الحالي القائم والمستند إلى اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية المشؤومة، وأكد على مبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين بعيداً عن تأثير الأرقام وأحجام القوى وما يتصل به، على اعتبار أن لبنان بلد يقوم على العيش المشترك بين جميع أبنائه.

إن تكريس مسألة "المثالثة" في النظام السياسي من خلال الممارسة يجري العمل عليه بالتوازي مع طروحات أخرى تقلق وتخيف المسيحيين في لبنان، ومن ذلك طرح المؤتمر التأسيسي في وقت سابق قبل عدة سنوات، واقتراح الدولة المدنية مؤخراً بما يعني التخلّي عن النظام السياسي الحالي، وإثبات فشله من الممارسة، وبالتالي البحث عن نظام بديل يكون ترجمة لمنطق الهيمنة القائم بقوة الأمر الواقع. وبالطبع فإن أي بحث في شكل النظام السياسي القائم حالياً سيكون بكل تأكيد على حساب الدور والحضور المسيحي في البلد، ولذلك شعر البطريرك الراعي بهذه المسؤولية تجاه هذا الدور والحضور، ووجّه الدعوة للقيادات المسيحية للتشاور من أجل الانتباه إلى هذه القضية، خاصة وأنه يجري على مستوى المنطقة إعادة البحث في تشكيلها من جديد، بل يجري ذلك وفق قواعد جديدة، وانطلاقاً من معطيات برزت خلال السنوات الماضية.

خلاصة القول إن لقاء بكركي التشاوري اليوم هو ترجمة لما حذّر منه قادة لبنانيون في وقت سابق، ومن هنا يجب أن تتضافر الجهود من أجل الحفاظ على هذا البلد وتطوير نظامه حيث تدعو الحاجة، ولكن بعيداً عن ضغوطات الأمر الواقع أو المشاريع الطمحة التي ليس للبنان قدرة على تحمّلها حالياً ولا مستقبلاً.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولاتعبّر عن آفاق نيوز