حسام
كنفاني
بعد نحو
ثلاثة أسابيع على سقوط نظام بشّار الأسد، لا بد اليوم من وقف مظاهر الاحتفال
والالتفات إلى المخاطر التي بدأت تحيق بسورية، سواء سياسياً أو جماهيرياً، والعمل
بشكل سريع على ضبط مظاهر الفوضى قبل فوات الأوان، ودخول أطراف متضرّرة من سقوط
النظام السوري على الخط لتأجيج الأوضاع.
هناك
عديد من مشاهد الفوضى التي بدأت بالظهور، نتيجة عوامل كثيرة رافقت انتصار الثورة
وفرار قوات الجيش السوري. فرار أفرغ الثكنات العسكرية من أفرادها بشكل كامل، وهو
ما دفع السكان في مناطق كثيرة إلى الدخول إليها والاستيلاء على ما خلفه الجنود من
أسلحة وعتاد. أحدث هذا الأمر حالة تسلح جديدة في الأراضي السورية، فمعروف أن هناك
مناطق عدة، وتحديداً في الساحل السوري، يحمل أهلها السلاح، إلا أن الأمر اليوم بات
منتشراً في معظم المحافظات السورية.
وجود هذا
السلاح، مع الضغائن المتراكمة منذ ما قبل سنوات الثورة بين السوريين الذين عانوا
من ممارسات النظام وأتباعه، تسبب بحالات انتقام لا يمكن إحصاؤها، خصوصاً في
المناطق الريفية البعيدة عن الكاميرات الإعلامية المشغولة باحتفالات دمشق
واستقبالات قائد "هيئة تحرير الشام"، أحمد الشرع، للمبعوثين العرب
والدوليين والنشطاء السوريين وقادة الفصائل.
هذه
الممارسات تضاف إلى الخلافات التي لا تزال قائمة بين الفصائل المسلحة السورية،
والتي لم تجتمع كلها في اللقاء الذي استضافه الشرع في قصر الشعب قبل أيام. فالفيلق
الثامن، والذي بات يُعرف بغرفة عمليات الجنوب ويترأسه أحمد العودة، والذي كانت
قواته أول الداخلين إلى دمشق يوم الثامن من ديسمير/ كانون الأول الماضي، لم يكن
حاضراً في الاجتماع، ولا يزال رافضاً تسليم سلاحه.
الأمر
نفسه بالنسبة إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي لا يزال من غير الواضح كيف
سيكون تعاطي الإدارة الانتقالية معها، لكن المعارك التي تخوضها حالياً مع
"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا تؤشر إلى مرحلة تصعيد آتية على هذه
الجبهة. تصعيد من شأنه إعادة الأطراف الخارجية إلى الساحة السورية، وتحديداً
إيران، في حال طبق الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، وعوده بسحب القوات
الأميركية من شرق سورية.
وفعلياً،
بدأت الشائعات عن دخول عناصر من الحرس الثوري إلى المناطق التي تسيطر عليها
"قسد". ورغم أن هذه المعلومات لم توثق بعد، إلا أنها غير مستبعدة،
وخصوصاً مع تصاعد التصريحات التي يطلقها المرشد الإيراني علي خامنئي، والتي يمكن
اعتبارها تحريضاً على القيادة السورية الجديدة، وتحفيزاً لأنصار النظام السابق على
المواجهة. الأمر الذي انعكس على الأرض في حمص وبعض مناطق الساحل السوري، حيث خرجت
تظاهرات وأطلقت شعارات طائفية ومذهبية، قد يؤدي تطورها إلى ما لا تحمد عقباه.
وفوق هذا
كله، برزت ظاهرة انتشار المخدرات بين السوريين، بعدما دخل سكان كثيرون في مناطق
عدة إلى مصانع الكبتاغون التي كان يرعاها النظام السابق، واستولوا على ما فيها من
حبوب مخدرة، والتي أصبحت تجارة رائجة حالياً بين السوريين.
من
المعلوم أن إدارة العمليات العسكرية لا تملك العديد الكافي لضبط الأوضاع، رغم أنها
بدأت فعلياً ببعض الإجراءات في مناطق عدة. فاحتواء هذه المظاهر أصبح ضرورة ملحة،
ويجب أن يكون من أولويات الإدارة السورية الجديدة، والتي عليها أن تسارع إلى إعادة
تشكيل القوى الأمنية من جيش وشرطة ونشرها على كامل الأراضي السورية. أولوية لا بد
أن تكون سابقة للمؤتمر الوطني والإعلان الدستوري والحكم الانتقالي وكل العناوين
السياسية للمرحلة المقبلة، والتي ستكون فارغة من مضمونها في حال خرجت الأمور عن
السيطرة.
المصدر : العربي الجديد
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن
"آفاق نيوز".