د. وائل نجم
تصاعدت وتيرة التهديدات الإسرائيلية لإيران بعد الضربة
الصاروخية التي وجّهتها طهران لمواقع وقواعد عسكرية إسرائيلية في الأول من أكتوبر
/ تشرين الأول الجاري، ويكاد لم يمرّ يوم من دون أن يُطلق مسؤول إسرائيلي تهديداً بهذه
الضربة المنتظرة، ولعلّ أكثر من يردّد تلك التهديدات رئيس الحكومة الإسرائيلية
بنيامين نتنياهو، ووزير جيشه يوآف غالانت، باعتبارهما أكثر المعنيين بهذا الموضوع.
موضوع الردّ الإسرائيلي على الضربة الإيرانية ربما يكون
محتوماً في ظلّ الأوضاع والحرب الدائرة ومحاولات القيادة الإسرائيلية تغيير
المنطقة العربية والشرق الأوسط بما يضمن الهيمنة والسيطرة الإسرائيلية عليها لعقود
قادمة، خاصة وأنّ القصف الصاروخي الإيراني كشف ضعف البنية الإسرائيلية وهشاشة
القوّة الإسرائيلية التي يريد بها نتنياهو التغيير والسيطرة.
علينا أن نتذكّر أنّ نتنياهو وبعد "طوفان
الأقصى" وبعد إعلان حربه على قطاع غزة رفع بضعة أهداف لحربه التدميرية:
استعادة الأسرى من غزة، القضاء على المقاومة الفلسطينية، وإسقاط حكم حماس في
القطاع. غير أنّ أيّاً من هذه الأهداف لم يتحقّق لغاية الآن على الرغم من حجم
الدمار الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بغزة، وحجم المجازر التي ارتكبها بحقّ الشعب
الفلسطيني، وهذا باعتراف الإسرائيليين أنفسهم في القيادتين السياسية والعسكرية.
لقد هرب نتنياهو بعد فشله في غزة إلى لبنان، إلى الجبهة
الشمالية التي ظلّت جبهة إسناد طيلة الفترة السابقة، ولم تخرج عن قواعد مواجهة
جعلت بعض المستعجلين يشكّكون بها ويسخرون منها في بعض الأحيان، فإذا بنتنياهو يهرب
إليها ويصعّد المواجهة فيها، ليس على قاعدة تحقيق النصر أو تحقيق أهداف العدوان
على غزّة، إنّما على قاعدة خلط الأوراق لضمان أكبر تدخّل غربي في المنطقة يضمن بقاء
واستمرار إسرائيل.
لقد حقّق نتنياهو إنجازات مهمّة في هذه الجبهة في أول
تصعيد المواجهة مع المقاومة اللبنانية بدأت باغتيال المسؤول العسكري الأول في حزب
الله، ومرّت بضربة "البايجر" وما تلاها من اغتيال عدد من القادة
الميدانيين، وبلغت اغتيال أمين عام الحزب حسن نصرالله. ظنّ نتنياهو أنّ الحزب فقد
السيطرة وزمام المبادرة فانتشى وراح يتحدّث بصلف وعنجهية عن تغيير الشرق الأوسط
انطلاقاً من لبنان غير مكترث لا لصداقات ولا لخصومات ولا لدول تطبيع، غير أنّ
الميدان البرّي يبدو قد فاجأه بشكل كبير، فلا جيشه استطاع أن يعبر الحدود
اللبنانية نحو جنوب الليطاني على الرغم من الحديث عن انطلاق المعركة البرّية منذ
أكثر من عشرة أيام؛ ولا إعادة المستوطنين إلى شمال فلسطين قد تمّت كما اشتهى، بل
على العكس من ذلك دخل مزيد منهم في دائرة النزوح والهرب نحو الداخل بعد التصعيد
الصاروخي من لبنان؛ ولا تحقيق حلمه في تدمير لبنان وتغيير الشرق الأوسط انطلاقاً
منه سيكون متاحاً في ظلّ المعادلات الإقليمية والدولية وفي ظلّ الصمود اللبناني
إلى الآن، وبالتالي فإنّ وعود نتنياهو وأهدافه في لبنان ستلحق وعوده وأهدافه في
غزة، وبالتالي بدأ يصاب بفشل آخر استراتيجي على الرغم أيضاً من التدمير الذي ألحقه
بالضاحية الجنوبية لبيروت وبالجنوب والبقاع ومناطق أخرى، وعلى الرغم من المجازر
التي ارتكبها، والانجازات التكتيكية التي حقّقها مع بداية تصعيد الهجمة على لبنان
ولم يعرف كيف يصرفها بالسياسة.
نتنياهو الآن سيلجأ إلى الطريقة والخطة ذاتها بعد فشله
أيضاً في لبنان؛ الهروب نحو الأمام، وهذه المرّة نحو طهران، خاصة وأنّ الحجّة
جاهزة وهي الضربة الصاروخية الإيرانية في الأول من أكتوبر، والتي بالمناسبة جاءت
ردّاً على اغيتال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنيّة في طهران، واغتيال أكبر
وأهمّ حليف لإيران حسن نصرالله في بيروت.
نتنياهو سيلجأ إلى توجيه ضربة لإيران ليس على قاعدة
الردّ على الضربة الإيرانية و "تأديب" إيران، إنّما على قاعدة خلط
الأوراق لتوريط أميركا والغرب بشكل عام في المنطقة، لأنّه وكثير من القيادة
المنفلتة من عقالها معه في كيانه باتوا يدركون أنّ خلط الأوراق هي الفرصة الوحيدة
التي تكاد تكون متاحة أمامهم للاستمرار بقيادة إسرائيل، ولكن إلى مزيد من المجهول
والعداء للمحيط العربي الإسلامي.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن
"آفاق نيوز".