بشير البكر
حينما يتضامن العربي مع أهل غزّة، إنما
يؤدّي واجبا أخلاقيا قبل كل شيء، لكنه، في الوقت ذاته، يدافع عن نفسه من مصيرٍ مشابه
لما يتعرّض له الفلسطينيون من إبادة. ومن لا يدرك هذه المعادلة يجب أن يقرأ قصة الثور
الأبيض، التي تردّدت عند بعض مواجهات خاضها العرب. ولكن لا أحد تعلم منها، أو عمل بالحكمة
المستقاة منها، في حين أن دراسة ما حصل للعرب من نكسات تحيل إلى قرائن تندرج في نسق
فلسفة الحكاية الشعبية، وما يمكن اشتقاقُه من قواعد تنطبق على كل من يمكن أن تعميه
الأنانية، ويشلّه الخوف، وتبلد المشاعر والأحاسيس، عن رؤية الخطر القادم إليه، عندما
يفتك بشقيقه، وبدلا من أن يدرك أن الكارثة لن توفّره، يدفن رأسه في الرمل.
حينما تم ضرب العراق عام 1991 كان واضحا
أن المسألة تتجاوز إجبار الرئيس العراقي حينذاك، صدّام حسين، على الانسحاب من الكويت،
وتعويض الدولة الكويتية وشعبها، عما ألحقه بهم قراره الأحمق غزو البلد الشقيق والجار.
ومن دون شك، ساعدت مكابرة الرئيس العراقي الفارغة، ورفضه الانسحاب من الكويت من دون
حرب، في تشكيل التحالف الدولي العربي ضدّه، غير أن أطرافا أجنبية وعربية، كانت لها
مصلحة في توجيه ضربة عسكرية قوية لهذا البلد، بهدف إخراجه من المعادلات الإقليمية،
فيما يخصّ أمن الخليج، والصراع العربي الاسرائيلي. وفي حين أن الولايات المتحدة هي
التي نهضت، فعليا، بمهمّة تدمير العراق، فإن دولا أخرى، إقليمية على وجه الخصوص، لم
تقصّر في ذلك، ومن بينها عربية جارة لصيقة، كان بقاء العراق، يساعدها على مستوى مواجهة
التحدّيات الاستراتيجية بعيدة المدى، لكنها غلّبت الحسابات الضيقة الأنانية، وشاركت
في تدمير قوة بلد عربي، وهو ما سبّب خللا، ما يزال العرب يدفعون فواتيره في الخليج،
نتيجة تنامي قوة إيران، ذات الأطماع التي تتجاوز حدودها.
الحرب على غزّة ذات أهداف وتداعيات
أبعد من القضاء على حركة حماس، وهذا شأنٌ يبدو محسوما بالنسبة لإسرائيل، وشريكتها الأساسية
في الحرب، الولايات المتحدة. ويعد تهجير قسم من الشعب الفلسطيني من القطاع والضفة الغربية
أحد أهداف هذه الحرب. وهو في كل الأحوال، لن يكون فوريا، بل سيتأخّر كي ينقشع غبار
المعارك، وفي حال حسمت إسرائيل المعركة، لن يكون في وسع أحد أن يقف في وجه المخطّط،
الذي سيفرضه المنتصرون بالقوة، ولن يمنعه الذين لم يقفوا في وجه الحرب. ومن يراقب النقاش
العلني الذي يدور في وسائل الإعلام، في بعض بلدان أوروبا، يلمس مقدار التحريض على العرب
والمسلمين في الغرب من جهة، وداخل بلدانهم من جهة أخرى، وهو يحيل إلى الأجواء المتوتّرة
التي غطّت سماء الولايات المتحدة عام 2001، بعد هجمات 11 سبتمبر، وعلى نحو خاص إشهار
أطروحة "حرب الحضارات"، التي جاء بها صموئيل هنتنغتون، وقادت إلى توليد ثقافة
كراهية، عكست نفسها في أعمال عدائية، وممارسات عنصرية ضد العرب والمسلمين على المستوى
العالمي.
من الواضح أن الموجة الجديدة سوف تكون
أشد عنفا من تلك التي ولدتها هجمات 11 سبتمبر، لأن الهدف منها سيتركز على تمكين إسرائيل
من تحقيق اختراق كبير داخل العالم العربي، لم تتمكّن من تحقيقه من خلال اتفاقات السلام
والتطبيع معها، التي عقدتها منذ "كامب ديفيد". ويجري التلويح من أوساط أميركية
وأوروبية أن المسألة هذه المرّة لن تكون اختيارية، بل إجبارية، وبالقوة، وبتمويلٍ من
العرب أنفسهم، وهذا ما يفسّر محاولات بعض الدول العربية التبرّؤ من قضية فلسطين، عسى
أن يجنّبها ذلك حساب ما تسمّيه واشنطن "اليوم التالي".
المصدر: العربي الجديد.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".