معركة التصدّي للشذوذ وإسقاط قيم الأسرة والمجتمع
كانون الأول 10, 2022

خاص "آفاق نيوز"

كأنّ لبنان لا يكفيه ما يعانيه من أزمة اقتصادية حادّة تكاد تأكل بطريقها الأخضر واليابس، وانسداد في أفق الحلول السياسية حتى باتت الخشية على الكيان جدّية وحقيقية تؤرّق بال أغلبية اللبنانيين حتى تبدأ معركة من نوع آخر لا تقلّ خطورة وأهمية عن الأزمتين الاقتصادية والسياسية، بل ربما هي الغاية الأساسية من تضخيم أو إيجاد الأزمتين، هي معركة الحفاظ على قيم المجتمع اللبناني وهي القيم الشرقية المحافظة بشكل عام على الرغم من التنوّع الطائفي والمذهبي والعرقي الذي يتشكّل منه لبنان؛ ومعركة الحفاظ على الأسرة وهو – ربما – ما تبقّى للبنانيين من لبنان. وهنا نتحدث تحديداً عن محاولات قوننة وتشريع الشذوذ الجنسي أو ما يلطقون عليه الزواج المثلي، وهي بالمناسبة حملة عالمية تحاول إفساد المجتمعات عبر نزع الفطرة منها تحت عنوان الحريات العامة والشخصية.

محاولات الترويج للشذوذ

قديمة هي نزعة بعض النفوس المريضة في الانعتاق من الفطرة ومن القيم والمبادىء الأخلاقية التي تحفظ المجتمعات والأسر من الضياع والهلاك، بل الضامنة للاستمرار البشري الإنساني على سطح الكوكب من خلال تشريعات وضوابط قيمية أخلاقية تحض على الزواج والإنجاب والتربية وما سوى ذلك. غير أنّ تلك النفوس المريضة لا تريد أن يكون لها ضوابط حتى لو كان ذلك على حساب أمن المجتمعات والأسر، وتحت عنوان وذريعة الحرية الشخصية. وقد شهدت العديد من المجتمعات تاريخياً مثل هذه الدعوات وقصّ علينا القرآن الكريم حكاية ونبا النبي "لوط" عليه السلام المعروفة.

في لبنان وفي العام 2019 تحديداً حاولت إحدى الفرق الموسيقية تنظيم حفل موسيقي تحت عنوان "مشروع ليلى" في مدينة "جبيل" غير أنّ تدخّل مرجعيات مسيحية منع ذلك بحجّة أنّ الحفل والعبارات والموسيقي فيه إساءة للمسيحيين، ثم ألغى الحفل لأنّه تبيّن أنّه سيروّج بشكل من الأشكال للشذوذ أو ما يُسمّى عند أولئك بـ "المثلية".

وفي حزيران الماضي تداول ناشطون عبر منصات التواصل الاجتماعي دعوات للتجمّع والمشاركة في أنشطة تروّج للشذوذ الجنسي، وإلى تنظيم مسرحيات فنية من هذا القبيل. كما دعت جميعة "حلم لبنان" إلى تنظيم مسيرة في ساحة حي الأشرفية ذي الأغلبية المسيحية في بيروت، ولكنّ التهديدات والدعوات إلى التصدّي لهذه المسيرة بين أبناء الحيّ والمحيط دفعت الجمعية إلى تأجيل أو إلغاء التحرك.

ثمّ في 24 حزيران من العام الجاري (2022) طلب وزير الداخلية، القاضي بسّام مولوي، من الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية منْع أيّ تجمّع أو تحرّك يدعو إلى الشذوذ أو الانحراف القيمي على اعتبار أنّ لبنان بلد يحترم الأديان والقيم الأخلاقية مع حرصه على الحريّات الشخصية التي لا يجب أن تتعارض مع احترام قيم الأديان، وأشار مولوي في تكليفه القوى الأمنية تنفيذ هذا القرار أنّه تلقّى اتصالات من مرجعيات دينية إسلامية ومسيحية تطلب وقف هذه الأنشطة. وقد منعت القوى الأمنية في حينه فعلاً أيّ تحرك أو نشاط يروّج أو يدعو إلى الشذوذ.

معركة قضائية

غير أنّ الجمعيات والشخصيات التي تنتمي إلى فكرة الشذوذ وتروّج لها لم تستسلم لما أصدره وزير الداخلية، بل راحت وخاضت معركة قضائية بوجه هذا القرار على اعتبار أنّ قرار الوزير يتعارض مع الحرّيات العامة والشخصية التي كفلها الدستور اللبناني بحسب أولئك. وتقدّم بعض هذه الجمعيات ومنها جمعية "حلم لبنان" و "المفكرة القانونية" بطعن أمام مجلس شورى الدولة، وهو هيئة قضائية تفصل في مثل هذه القضايا والأمور، خاصة وأنّ هناك حملة عالمية للترويج لهذا الشذوذ.

وبعد دراسة الطعن المقدّم من الجمعيتين أصدر مجلس شورى الدولة قراراً في الأول من شهر نوفمبر / تشرين الثاني جمّد بموجبه العمل قرار الوزير المولوي الذي صدر في حزيران/ يونيو الماضي مؤقتا إلى حين البت النهائي بالطعن.

غير أنّ وزير الداخلية أصرّ على موقفه الرافض لأي نشاط يروّج للشذوذ الجنسي أو يضرب القيم الأخلاقية متسلّحاً بالتفسير القانوني لما نصّ عليه القانون والدستور من ناحية ومطالب المرجعيات الدينية وحتى بعض المرجعيات السياسية من ناحية أخرى، وعاد وأصدر من جديد قرارات إدارية للأجهزة الأمنية كلّفها من جديد منع أي نشاط يروّج للشذوذ.

المواقف السياسية والدينية

يأتي في طليعة المدافعين عن الترويج للشذوذ الجنسي تحت عنوان الحرّيات العامة والشخصية حزب "تقدّم" الذي يضمّ بعض النوّاب الجدد المحسوبين على النوّاب التغييريين، وكان النائبان عن الحزب مارك ضو ونجاة عون صليبا دانا قرار وزير الداخلية، ولفتا نظره إلى أن قراره "مخالف للدستور اللبناني ولشرعة حقوق الإنسان، وأنه سبق للقضاء اللبناني أن أكّد أن المثلية هي ممارسة حق طبيعي وليست جريمة جزائية”.

كما وأنّ قناة LBCI التلفزيونية أعدّت تقريراً إخبارياً يدافع عن الحرية الشخصية للمثليين وينتقد موقف رجال الدين، فيما دعا بعض الإعلاميين "جميع سفراء الدول الأجنبية والأوروبية والجهات المانحة التابعة للأمم المتحدة وغيرها إلى مقاطعة وزير الداخلية وعدم استقباله".

في مقابل ذلك قال مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان إن دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية، "لن تسمح بإضفاء الشرعية على المثلية الجنسية”. بينما أثنى شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى "على قرار وزير الداخلية بمنع إقامة الحفلات واللقاءات الرامية للترويج للشذوذ الجنسي تحت مسميات حرية التعبير والحريات الشخصية وسواها”، وأكد "أن مثل هذه الدعوات والحريات المصطنعة مخالفة لمبادئ الأديان وللقوانين الطبيعية والأعراف الاجتماعية، ولا يجوز السماح بها مهما علت الأصوات وتحرّكت الغرائز"، وكذلك فعلت الهيئة الإدراية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى التي أثنت على قرار وزير الداخلية ورأت أنهّ محق في الحفاظ على قيم المجتمع اللبناني وعلى الأخلاق والأسرة.

سياسياً أفشل رئيس مجلس النواب نبيه بري صدور قرار عن الاتحاد البرلماني الدولي يتعلق باحترام حقوق المثليين. وصوّت بري في مؤتمر انعقد في جنيف للاتحاد الدولي ضدّ مشروع القرار المتعلق بحقوق المثليين، بعد أن اتّفق مع رئيس الاتحاد البرلماني الإفريقي على التصدي لهذا الأمر.

هي معركة حقيقية تدور في أروقة القضاء والبرلمان والصالونات اللبنانية حول السماح لمروّجي الشذوذ بالعمل على ترويج أفكارهم في البيئات اللبنانية المحافظة، ويتلقى أصحاب هذه الأفكار دعماً معنوياً وربما أحياناً مادياً وإعلامياً وحقوقياً من أجل نشر هذه الثقافة في البيئات اللبنانية لتدمير ما بقي من قيم الأسرة والمجتمع في مقابل تمسّك واسع من قبل المرجعيات ومن الجمعيات والأحزاب ذات الخلفيات المحافظة بالقيم والأخلاق اللبنانية التي ترفض مثل هذه المزاعم كما لو أنّ لبنان لم يعد لديه من أزمات سوى هذه القضية التي تزيده بعداً عن أزمته الاقتصادية والسياسية.