موسم قطاف الزيتون .. حاصبيا والعرقوب وحكاية احتضان الشجرة المباركة
تشرين الأول 29, 2022

"آفاق نيوز" ــــ تقرير خاص

يُعتبر شهر تشرين الأول شهر قطاف الزيتون في لبنان حيث تنتشر زراعة هذه الشجرة في أغلب المناطق اللبنانية من الشمال إلى الجنوب، وتمتاز بعض المناطق والأقضية بكثافة زراعة الزيتون وحتى بجودته، غير أنّ الانتاج المحلي يكاد لا يكفي حاجة السوق الوطنية بشكل عام، ما يجعل لبنان يستورد جزءاً من الزيتون والزيت من الخارج لا سيما من سوريا.

ويُعد قضاء حاصبيا في شرق الجنوب من الأقضية التي تمتاز بزراعة شجرة الزيتون حيث تُعتبر أراضي القضاء غابة واسعة من شجر الزيتون، ومنها المُعمّر الذي يعود إلى مئات بل ربما إلى آلاف السنين، خاصة وأنّ شجرة الزيتون تُعدّ من الأشجار المعمّرة، وبعض أنواع الزيتون المُعمّر في منطقة حاصبيا يُطلق عليه الأهالي الزيتون "الأرميني" و "الطلياني" و"الروماني". ويُعرف زيت وزيتون منطقة حاصبيا بشكل عام، وزيتون بلدات العرقوب بشكل خاص بجودته العالية التي لا تضاهيها جودة.

 
 
 
 

في العادة ينتظر الأهالي تساقط المطر في الأول من تشرين الأول للخروج إلى موسم القطاف، غير أنّ انتصاف الشهر يشكّل موعداً لمعظم المزارعين للخروج إلى بساتينهم لقطاف الموسم الذي يحتاج مع بعضهم إلى بضعة أسابيع للانتهاء من جني المحصول وعصره. في حين أنّ بعض مزارعي حاصبيا يتأخّرون قليلاً إلى بداية شهر تشرين الثاني للبدء بالقطاف وربما إلى ما بعد ذلك.

ويستخدم المزارعون عادة الطرق التقليدية في قطاف الزيتون حيث يعمدون إلى فرش الأرض تحت أشجار الزيتون بـ "فجّات" من النايلون أو من القماش الخفيف ومن ثم يبدأون بفرط الحبات بواسطة عصى خفيفة أو عبر "المشق" بآلات مخصّصة لذلك، وهذه الطريقة تأخذ وقتاً إضافياً، ونم ثم يلجأ المزارعون إلى جمع الغلّة اليومية في أكياس من النايلون أو في صناديق بلاستيكية، وتُنقل إلى مكان آمن بعيداً عن الرطوبة والحرارة حيث يتم الاحتفاظ بها لمدة يوم أو يومين ومن ثم تتمّ تنقيتها من الشوائب كالأوراق وغيرها، وتنقل بعد ذلك إلى المعصرة للعصر.

 
 
 
 

وعن قطاف الزيتون يقول أبو أسعد (مزارع يملك عدة بساتين من الزيتون) : نقوم بجني المحصول كما لو أنّنا نحافظ على ولد من أولادنا، ونجمع حبّاته حبّة حبّة ومن ثمّ نغربل الكميات المقطوفة بواسطة غربال مصنوع من الحديد يجعل الأوراق تتساقط من بين قضبان الحديد، وتبقى الحبّات التي ننقلها إلى المعصرة. وعن الكميّة التي يمكن للعامل أن يقطغها يومياً : يقول أبو أسعد : تختلف بحسب الكمية التي تحملها الشجرة، وبحسب طريقة القطف بين المشق والفرط وبحسب خبرة العامل.

من ناحيته يقول أحمد وهو عامل يعمل في قطاف الزيتون إنّهم كانوا سابقاً يقطفون الزيتون بواسطة المشق والتجميع على "الفجّات"، أمّا اليوم فإنّ أغلب العمال يقومون بفرط الشجرة بواسطة عصي خفيفة من القصب أو الخيزران، وبعضهم يستعمل فرّاطات تعمل على البطارية، ولكنها تحتاج حتى تنجز عملاً جيداً أن تكون الشجرة قد خضعت للتشحيل سابقاً. وعن البدل المالي الذي يتقاضه العامل يقول أحمد إنّ العامل يتقاضى عن كل يوم عمل مبلغ 350 ألف ليرة، والمرأة العاملة معه تتقاضى 300 ألف ليرة. وعن الدوام يقول إنّ الدوام يكون عادة من السابعة صباحاً حتى الساعة الثانية ظهراً يتخلّله استراحة قصرة لتناول بعض الطعام.

 
 
 
 

من جهته يقول أبو أسعد إنّ المبلغ الذي يتقاضه العمال، وأجرة العصر في المعصرة وهي اليوم مئة ألف ليرة عن كل 20 كيلوغرام، وثمن الأكياس والعبوات البلاستيكية، وبدل الحراثة والرش والتشحيل وسواه تجعل المزارع يعمل بلا فائدة كبيرة، بمعنى أخر إنّ الانتاج الذي ينتجه يذهب مصاريف مقابل هذه الخدمات، غير أنّ المزارع لا يمكنه أن يهمل أرضه فهي قطعة منه.

وعن ثمن صفيحة الزيت الخالص، يقول أبو أسعد إنّ ثمنها في المعضرة 100$ أو ما يعادل ذلك، وهي أساساً تكون مقابل الخدمات التي ذكرت.

من جهته يقول صاحب إحدى المعاصر إنّ الموسم يبدأ مع مطلع تشرين الأول ويمكن أن يستمر إلى آخر شهر تشرين الثاني، ويضيف: سابقاً كان الموسم يمكن أن يمتد إلى منتصف شهر كانون الثاني غير أنّ الانتشار الكثيف للمعاصر الحديثة وتطوير القديم منها جعل الموسم ينتهي في آخر شهر تشرين الثاني على الرغم من الانتشار الكثيف لأشجار الزيتون.

وعن المراحل التي تمرّ بها عملية العصر يقول : أولاً تتمّ تنقية الزيتون من الشوائب كالأوراق والأغصان الصغيرة عبر مروحة هوائية تعمل على تطيير تلك الأوراق، ومن ثم يخضع الزيتون لعملية غسل بالماء البارد في حوض خاص بذلك ومن ثم يتمّ رفع الزيتون المغسول إلى حوض كبير فيه حجران أو ثلاثة أحجار ضخمة يتم تحتها دهس الزيتون ليتحول إلى مادة تشبه المرهم، وهذا بالنسبة للمعاصر التي تجمع بين التقليدية والحديثة، لأنّ بعض المعاصر الحديثة تلجأ إلى جرش والزيتون وطحنه بواسطة آلات معدنية وتحت حرارة معنية وهو غالباً ما يؤثر على جودة المنتج، وبعد ذلك يجري وضع الزتيون المدهوس على "قفف" خاصة بذلك فوق بعضها البعض ويجري بعد ذلك كبسها في مكابس خاصة أيضاً حيث يتحول الزيتون المدهوس إلى جاف بحيث ينفصل عنه الزيت والماء والزيبار، ويجري بعد ذلك تصفية الزيت في مصافي حديثة وخاصة.

 
 
 
 

وعن جودة الزيت المستخرج من زيتون منطقة حاصبيا والعرقوب يضيف صاحب المعصرة إنّ الزيت مكفول وخضع لتجارب كثيرة في مخبترات عديدة وأثبت جودته العالية حتى أنّ شركات بدأت تشتري الزيت من المنطقة وتعمل على توضيبه في عبوات زجاجية صغيرة ومن ثم تصديره إلى الخارج. كما وأنّ هناك العديد من المواطنين الذين يقصدون منطقة حاصبيا والعرقوب من كثير من المناطق اللبنانية لشراء الزيت.

 
 
 
 

تشكّل زراعة الزيتون مصدر رزق أساسي لأهالي حاصبيا والعرقوب، وقد توارثها الأبناء عن الآباء، ويعتبرون أنّ هذه الشجرة المقدسة المباركة التي ورد ذكرها في القرآن فيها من البركة الكثير الكثير الذي يجعلهم يهتمون بها ويعملون على خدمتها كما لو أنّها ليست مصدر رزق فحسب، بل وسيلة للتقرّب بها ومن خلالها إلى الخالق، وينظرون إلى زيتها ليس كمادة للطعام وإنما كدواء يشفي من كثير من العلل والأسقام. باختصار مَن لم يرَ ويستطعم زيتون وزيت حاصبيا والعرقوب ليس كمن سمع لتكون هذه دعوة لزيارة هذه المنطقة التي تحتض عشرات آلاف من الشجرة التي قال الله فيها إنّها شجرة مباركة زيتونة يكاد زيتها يضيء.