أهداف تنظيم داعش من تفجير كنيسة مار إلياس
تموز 01, 2025

شهدت سوريا لأول مرة منذ سقوط نظام الأسد هجوماً إرهابياً استهدف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق مساء الأحد 22 حزيران/ يونيو 2025، أسفر عن وقوع 22 ضحية، وما يزيد عن 50 مصاباً.

أدانت الحكومة السورية الهجوم، وسارعت بعد تحقيقات أولية لاتهام تنظيم داعش بالوقوف وراءه، وحمّلت الجهات الداعمة للتنظيم المسؤولية الكاملة عن الهجوم، دون أن تسمي بشكل صريح تلك الجهات. فيما يُرجّح أن يكون المقصود بها إيران وأذرعها، وربّما يكون إحجام الحكومة عن تسمية إيران كي تنأى بنفسها عن الصراع في المنطقة.

هذا الهجوم هو الأول في سوريا وقد حصل بعد أقل من 48 ساعة على الهجوم الأمريكي الأول في إيران، لذا يبدو وكأنه بداية لردّ غير مباشر من إيران، كونها لا تستطيع أن ترد في الخليج، ولا ترغب بأن ترد في اليمن أو لبنان أو العراق، ولذا تلجأ إلى سوريا، التي ترى فيها مشروعاً أمريكياً ما زال رخواً. وثَمّة ما يُشير إلى مسؤولية إيران غير المباشرة عن الهجوم، فقد سبق وقدّمت تسهيلات للتنظيم ساعدته على الانتشار في العراق وسوريا، منها مثلاً فسح المجال له في إنشاء جيب في بادية السعن منتصف عام 2017، ثم جيب آخر في بادية السويداء منتصف عام 2018، فضلاً عن تغاضيها سابقاً عن عبور بعض قادة التنظيم عَبْر أراضي إيران نحو العراق وسوريا.

سبق الهجومَ حالةٌ من التحريض الصريح قام بها التنظيم؛ حيث دعا إلى استغلال الفوضى الناجمة عن الحرب في المنطقة بهدف مضاعفة عملياته -بما يشمل بكل تأكيد سوريا- عَبْر عدة مجالات بينها الاستقطاب والتجنيد والإعداد، كما صنّف -عبر حسابات غير رسمية- الحكومة الجديدة ورئيسها أحمد الشرع في مقدمة أعداء التنظيم، وطالب أنصاره بالمبادرة لضرب مصالحها.

هناك عدّة أهداف مباشرة وغير مباشرة للتنظيم من جرّاء تنفيذ الهجوم على كنيسة مار إلياس، والتي قد يتبعها عمليات أخرى، لا سيما أنّه سابقاً اتبع سياسة مماثلة باستهداف دور العبادة للمكوّن المسيحي والأقليات لتكون فاتحة عملياته الموسعة، ففي العراق مثلاً بعد الهجوم الذي شنّه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق على كنيسة سيدة النجاة في الموصل نهاية عام 2010 نفّذ 30 تفجيراً في يوم واحد عام 2012.

• زعزعة حالة الاستقرار، الذي تسعى الحكومة لإرسائه وحققت خُطوات متقدّمة فيه، ليأتي الهجوم ويقوّض هذه المساعي، ويخلق حالة من الارتباك لدى الحكومة، فيصوّر التنظيم للمجتمع المحلي والدولي أنّ الحكومة غير قادرة على فرض حالة الاستقرار التي ما تزال ضعيفة وهشّة.

• تقويض التعايش الأهلي والسلمي، الذي تسعى الحكومة لإرسائه؛ حيث طمأنت منذ إطلاق عملية ردع العدوان لتحرير سوريا جميع المكوّنات بأنّها ستحافظ على حقوقهم وأمنهم، ثم أنشأت لجنة خاصة بالسِّلْم الأهلي من أجل إرسائه، ليأتي التنظيم ويضع الحكومة أمام إرباك جديد، بحيث يُضعف خُطوات بناء الثقة بين المكونات والسلطة الجديدة، مما قد ينعكس على العلاقة مع كافة الأقليات من دروز وعلويين وأكراد ومسيحيين وطوائف أخرى؛ حيث إنّ استهداف التنظيم للمكون المسيحي وتحديداً أكثريته المتمثلة بالروم الأرثوذكس يخلق ضغطاً على أبناء الطائفة لمنعهم من المشاركة في بناء الدولة الجديدة سواء عبر مجلس الشعب أو بقية المؤسسات، وبما يُظهر الحكومة الجديدة بأنها محتكرة للسلطة وبلون واحد، وبما يستدعي تدخلاً إضافياً خارجياً يزيد من إرباك الحكومة، حيث تواجه أصلاً تدخُّل إسرائيل لصالح الدروز في السويداء وتدخُّل روسيا لصالح العلويين في الساحل.

• إضعاف البيئة الاقتصادية، التي تسعى الحكومة إلى خلقها، وتُعَدّ أحد أبرز أولوياتها لمرحلة بناء الدولة ومكافحة الإرهاب، فالهجوم يهزّ الثقة التي كانت تسعى الحكومة لبنائها مع المستثمرين ورؤوس الأموال السوريين والأجانب، حيث يريد التنظيم الإبقاء على حالة الافتقار في البيئة الاقتصادية لاستغلالها في استمالة واستقطاب العناصر ويمنع الدولة من امتلاك القدرات اللازمة لاستئصاله ومكافحته.

• الترويج لعودة التنظيم، الذي يريد أن يُثبت أنّه ما زال موجوداً في المشهد السوري وقادراً على التأثير فيه، وتغيير أولويات الحكومة، فهو يريد بثّ الفوضى ومنع تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ لأنّه البيئة المثالية التي يضمن من خلالها بقاء التنظيم وتمدُّده وانبعاثه من جديد بعدما تقلّص نفوذه منذ نهاية عام 2019، ثم بمقتل معظم قادته، ووصول حكومة سورية من خلفية إسلامية تلقى قبولاً شعبياً ودولياً وتُشكّل تهديداً له.

بالمحصِّلة، يسعى داعش إلى استغلال ظروف الحرب في المنطقة، ويبدو أنّه كان يتحضّر لذلك منذ مدّة، من أجل ضرب المرحلة الانتقالية في سوريا، وهذا يتقاطع مع أهداف إيران وأذرعها، التي قد تسعى بوضعها الراهن لبثّ الفوضى في المنطقة، مما يفتح المجال أمام عودة تهديد الإرهاب مجدّداً، ويتيح لها استخدام هذه السياسة كأداة ضغط على المجتمع الدولي لمنع إسقاط نظام الحكم فيها، بعدما خسرت دورها كشرطي في المنطقة.

أخيراً، من الواضح أنّ الحكومة السورية تُصرّ على استمرار جهودها في محاربة الإرهاب ومنع عودة تنظيم داعش، وفرض حالة الاستقرار، ومنع تقويض التعايش الأهلي والسلمي، وخلق البيئة الاقتصادية الآمنة، وهي تسير بخُطوات جادّة نحو بناء دولة لجميع السوريين بكافة مكوناتهم عَبْر حفظ حقوقهم وتأمين الحماية والأمن لهم جميعاً دون تمييز.

إعداد مركز جسور للدراسات

المصدر : موقع جسور