الأخضر يُذهل المجتمع الإسرائيلي ويُزهر ربيعُه في المنطقة
كانون الثاني 22, 2025

ريحانة نجم

بعد أكثر من خمسة شهراً من القتل الوحشي والتدمير الهمجي والإبادة الجماعية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحقّ أهالي قطاع غزّة، والمزاعم الإسرائيلية بالقضاء على حركة حماس في القطاع وتحقيق أهدافه من الحرب على غزّة وهزيمة المقاومة، جاء العرض العسكري لكتائب القسّام وسط شوارع غزّة التي لطالما كانت شاهدة على الألم والصمود، رسالةً تحمل أكثر من مجرّد استعراض للقوة.

بزيٍّ عسكري موحّد، ولثام موحّد، وعصابات خضراء، ومركبات عسكرية، خرج مقاتلو كتائب القسّام في اليوم الحادي والسبعين بعد الأربعمائة للحرب على غزّة، وبعد ساعات من دخول اتفاق وقف العدوان حيّز التنفيذ، في مشهد بدا وكأننا في اليوم الأوّل من الحرب، مشهد حطّم كلّ ادعاءات وأوهام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقضاء على حركة حماس في غزّة، وأثبت أنّ نتنياهو لم يحقّق أيّ شيءٍ من حربه سوى القتل والدمار.

مشهد المقاتلين المتقدّمين بخطواتٍ ثابتة، حاملين رايات العزّة، والأسلحة التي باتت رمزًا للإرادة الفلسطينية، لم يكن مجرّد عرض عسكري عابر، بل إعلان واضح أنّ المقاومة ما زالت في أوج قوتها واستعدادها، ضمن الحاضنة الشعبية التي تؤكّد الترابط بينهما.

أبو عبيدة أيقونة الصمود والثبات

بكلماته الهادئة والمُفعمة بالثقة، أعاد الملثّم صياغة المشهد الذي حاولت "إسرائيل" تشويهه، مؤكدًا أنّ المقاومة ليست مجرّد بندقية أو صاروخ، بل منظومة متكاملة من القيم والمبادئ التي تُدافع عن الأرض والإنسان.

ومع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، وقف الناطق العسكري باسم كتائب القسّام، أبو عبيدة، ليُلقي كلمة امتزجت فيها الرصانة بالوجدان، لتكون أشبه بميزان دقيق يزن القوة والعزّة من جهةٍ، والالتزام الأخلاقي من جهةٍ أخرى.

حملت كلمات أبو عبيدة رسائل واضحة، لكنها عميقة، لكلّ الأطراف، كان الخطاب رسالة فخر واحتضان للشعب الفلسطيني، حيث أثنى على صموده الأسطوري وتضحياته التي أثمرت هذا النصر المؤزّر.

وجاءت كلمات الملثّم إعلاناً لعجز العدو عن كسر إرادة المقاومة، ورسالةً في أنّ ما بعد وقف إطلاق النار لن يكون كما قبله. كما كان الخطاب تأكيدًا للعالم أجمع أنّ هذه المقاومة ليست قوّة عبثية، بل حركة تحرّر تحمل في طياتها أخلاقية القضية الفلسطينية وشرعيتها.

رصانة أبو عبيدة لم تكن مجرّد اختيار للكلمات، بل انعكاس لثقة المقاومة بإنجازاتها، وثباتها في إدارة الصراع سياسيًّا وعسكريًّا. كان خطابه، رغم بساطته الظاهرة، وثيقة تاريخية تُحاكي العقول والقلوب معًا، وتترك أثرًا عميقًا في نفوس كلّ من استمع إليه، سواء أكان صديقًا أم عدوًا.

أخلاق القسّام تتفوّق على إجرام الاحتلال

بابتساماتٍ هادئة ونظرات مريحة ودّعت الأسيرات الإسرائيليات المُفرج عنهن مقاتلي كتائب القسام واللحظات الأخيرة في قطاع غزّة وسط حشود جماهيرية غفيرة من الشعب الفلسطيني وهتافات للمقاومة وقيادييها، بمشهد إنساني أذهل الكيان الصهيوني وأثار غضبه.

تلك الابتسامات، التي توحي بالارتياح والدهشة، كانت أكثر بلاغة من أيّ خطاب، حيث عكست تجربة إنسانية خارجة عن المألوف، وقلبت الرواية الإسرائيلية التقليدية التي تحاول رسم صورة المقاومة قوّةً قمعيةً أو عدوانية، وأكدت التزام المقاومة بقيمها الأخلاقية والإنسانية، ودحضت كلّ أكاذيب مجرم الحرب بنيامين نتنياهو وإشاعاته.

وفي خطوةٍ غير مسبوقة تحمل أبعادًا إنسانية وسياسية عميقة، قامت كتائب القسّام بتقديم هدايا تذكارية للأسيرات المُفرج عنهن، في رسالةٍ تتجاوز حدود الصراع العسكري إلى إثبات التفوّق الأخلاقي والإنساني.

هدايا تذكارية تضمّنت خريطة لقطاع غزّة وصورًا للأسيرات أثناء فترة الأسر، وشهادة تقدير من قبل مجاهدي القسّام.

هذه الخطوة جاءت لتؤكّد التزام المقاومة بقيمها، حتى في خضم المعركة، الأمر الذي شكّل صدمة عميقة للكيان، وكشفت عن هشاشة الرواية الصهيونية التي تصف المقاومة بالتوحّش، وأفرزت حالة من الذهول والإرباك في الداخل الصهيوني.

إنها لحظة تاريخية مفصلية كسرت غطرسة الاحتلال وأظهرت أنّ المقاومة، رغم صلابتها في الميدان، تحمل أخلاقيات تفضح زيف دعايات العدو وتعيد تعريف القوّة أمام جبروتٍ مهزوز.

الأخضر يُزهرُ في المنطقة

لقد أثبتت حركة حماس أنّها فكرة ومشروع فلسطيني قائم على تحرير الأرض المحتلة، وتحقيق مصير الشعب الفلسطيني، وليست طرفًا أو جزءًا من أيّ محور خارجي يعمل على تحقيق مصالحه في المنطقة، بل إنّها حركة فلسطينية أبًا عن جد، قرارها فلسطيني، وتنفيذها داخلي، وأخلاقياتها وقيمها إسلامية بحتة.

ولا بدّ أن نذكّر في الختام بأنّ ما قبل أكتوبر 2023 لن يكون كما بعدها، وأنّ ربيع أكتوبر بدأ يزهر في المنطقة، من سورية الحرّة مروراً بلبنان الدولة والسيادة وصولاً إلى غزّة العزّة وكلّ فلسطين بإذن الله.

المصدر : العربي الجديد

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".