ريحانة
نجم
في
عالم تعصف به الصراعات المذهبية وتجاذبات السلطة، لم يسلم الإسلام السني من حملات تشويه
منهجية تسعى إلى ربطه بالعنف والإقصاء، على الرغم من أن هذا التيار، في غالبيته الساحقة،
يمثّل إحدى أكثر المدارس الإسلامية انفتاحاً واعتدالاً. ومع ذلك، تصرّ بعض الأنظمة
السياسية ووسائل الإعلام المتحالفة معها على تقديمه بوصفه تهديداً دائماً، كلما ظهر
في إطار سياسي منظّم أو ضمن حركة اجتماعية واعية.
يُتَّهم
الإسلام السياسي السني بأنه رافض للديمقراطية، ومعادٍ لحقوق الإنسان، ويسعى إلى إقامة
دولة دينية استبدادية. غير أن هذه الصورة النمطية تتهاوى أمام وقائع وتجارب ملموسة
في عدد من الدول العربية والإسلامية، إذ أظهر هذا التيار قدرة واضحة على التطور والانخراط
في الحياة السياسية، والالتزام بالمسارات الديمقراطية، متى ما توفرت بيئة سياسية سليمة
وفرص مشاركة حقيقية.
منذ
نشأته، تبنّى التيار السني مقاربة قائمة على الوسطية والتدرّج، واحترام التنوع داخل
الأمة، مع خطاب ديني واجتماعي مرن، قادر على التفاعل مع التحولات السياسية والاجتماعية
دون قطيعة مع الدولة أو المجتمع. وفي العصر الحديث، لعب علماء ومفكرون سنّة دوراً أساسياً
في إحياء فكر النهضة والإصلاح السياسي، مقروناً بتأكيد المشاركة المدنية ونبذ العنف.
ورغم
ما واجهته التيارات الإسلامية السنية من ضغوط وتقييد، أثبتت التجارب أنها تميل، في
الغالب، إلى العمل السياسي السلمي والانخراط في المؤسسات متى أُتيحت لها الفرصة. ففي
تونس، شاركت القوى الإسلامية السنية في العملية السياسية ضمن الأطر الدستورية، واحترمت
قواعد اللعبة الديمقراطية. وفي تركيا، خلال مراحل محددة، شكّلت التجربة نموذجاً لقدرة
الإسلاميين على التكيّف مع الدولة الحديثة والانخراط في مؤسساتها.
أما
في مصر، فتُعد التجربة واحدة من أبرز الأمثلة على قابلية الإسلام السياسي السني لتبنّي
المسار الديمقراطي عملياً. ففي المرحلة التي أعقبت ثورة يناير، انخرطت القوى الإسلامية
السنية في الانتخابات، واحترمت قواعد التنافس السياسي، وحققت انتصارات عبر صناديق الاقتراع،
في مؤشر واضح على اعتمادها العمل السياسي السلمي بدلاً من العنف.
ورغم
الانقلاب وما تلاه من إقصاء قسري وقمع واسع، لم ينزلق التيار الإسلامي السني، في عمومه،
إلى العنف الشامل، بل حافظ على خطابه السياسي، وتمسّك بفكرة الحقوق المدنية وسيادة
الإرادة الشعبية، وهو ما يؤكد أن الإشكالية لا تكمن في الإسلام السني ذاته، بل في الأنظمة
التي ترفض تداول السلطة وتخشى المشاركة الشعبية.
منذ
نشأته، تبنّى التيار السني مقاربة قائمة على الوسطية والتدرّج، واحترام التنوع داخل
الأمة، مع خطاب ديني واجتماعي مرن، قادر على التفاعل مع التحولات السياسية والاجتماعية
في
لبنان، تقدّم تجربة الجماعة الإسلامية نموذجاً عملياً على إمكانية التلاقي بين الهوية
الإسلامية والعمل الديمقراطي. فقد شاركت الجماعة في الحياة السياسية، وتعاونت مع مختلف
القوى، وتبنّت خطاباً يؤكد على الدولة والمؤسسات والعدالة والعيش المشترك، في بلد يتسم
بحساسية طائفية وسياسية عالية. وهو ما يشكّل دليلاً إضافياً على أن الإسلام السني يمكن
أن يكون عنصر توازن واستقرار، لا عامل صدام.
ويقوم
خطاب الجماعة الإسلامية في لبنان على ثقافة العيش المشترك والتلاقي مع بقية المكوّنات
السياسية، حتى تلك التي تختلف معها فكرياً أو عقائدياً. وهي منفتحة على الحوار مع مختلف
الأطراف، وتؤكد باستمرار أن مستقبل لبنان لا يُبنى إلا على شراكة متوازنة تحفظ حقوق
الجميع، وتمنع أي شكل من أشكال الهيمنة أو الإقصاء.
ولم
يقتصر دور الجماعة على العمل السياسي داخل البرلمان أو البلديات، بل امتدّ إلى المجال
الاجتماعي، من خلال مؤسسات تربوية وإغاثية وخدمية، أسهمت في تعزيز حضورها قوةً اجتماعية
مسؤولة وفاعلة.
إن
الخوف من الإسلام السياسي السني غالباً ما يكون خوفاً غير عقلاني، يُستخدم أداةً سياسية
لإطالة عمر الاستبداد وحرمان الشعوب من حقها في المشاركة
ومع
ذلك، لا تزال أطراف سياسية وإعلامية في المنطقة تستخدم "فزّاعة" الإسلام
السني لتبرير الاستبداد ومصادرة الحياة السياسية. وتُستحضر صور التنظيمات المتطرفة
لتعميم الاتهام على مختلف التيارات الإسلامية، بما فيها تلك التي تعمل بوضوح ضمن الأطر
المدنية والقانونية.
هذا
الخطاب الانتقائي يتجاهل أشكال التطرف الطائفي المسلح، ويغضّ الطرف عن الأنظمة الشمولية
والمليشيات، بينما يركّز حصرياً على تخويف المجتمعات من أي حضور سياسي سنّي منظّم،
في محاولة لإقصائه من المجال العام.
الحقيقة
التي ينبغي الإقرار بها هي أنّ الإسلام السياسي السني، حين يكون معتدلاً ومنفتحاً،
يمكن أن يشكّل جزءاً أساسياً من منظومة الاستقرار والإصلاح في العالم العربي، لا مصدر
تهديد لها. إن تجاهله أو محاولة اقتلاعه لا يؤديان إلا إلى خلق فراغ تستغله التيارات
المتشددة فعلاً، بينما تساهم المشاركة السياسية في تحصين المجتمعات وإغلاق أبواب الانفجار.
إن
الخوف من الإسلام السياسي السني غالباً ما يكون خوفاً غير عقلاني، يُستخدم أداةً سياسية
لإطالة عمر الاستبداد وحرمان الشعوب من حقها في المشاركة. وقد آن الأوان لإعادة النظر
في الخطابات الجاهزة التي تخلط بين الاعتدال والتطرف، وبين العمل المدني والمسلح، والاعتراف
بأن الإسلام السني المعتدل شريك طبيعي في بناء دول عربية عادلة، تعددية، وديمقراطية،
في مصر ولبنان وسائر المنطقة.
المصدر
: العربي الجديد
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".