د. وائل
نجم
سريعاً
على غير عادتها خلال العامين الماضيين تمّت الاستحقاقات الدستورية المتصلة بانتخاب
رئيس للجمهورية في لبنان بعد فراغ في سدّة الرئاسة الأولى دام حوالي عامين وشهرين،
وخلال ساعات قليلة انتخب المجلس النيابي اللبناني قائد الجيش، جوزيف عون، رئيساً
للبنان بموافقة 99 نائباً من أصل 128 نائباً أعضاء المجلس النيابي حضروا جميعاً
جلستي الانتخاب يوم الخميس في التاسع من يناير/ كانون الثاني الجاري من دون غياب
أو تغيّب أحد منهم، وألقى الرئيس المنتخب خطاب القسم الذي كان واضحاً صريحاً
وشاملاً.
أيام
قليلة وجرى تكليف رئيس محكمة العدل الدولية اللبناني نوّاف سلام تشكيل حكومة العهد
الأولى بعد استشارات نيابية ملزمة وفق الدستور أجراها رئيس الجمهورية، غير أنّه
شابها اعتراض ضمني من الثنائي الشيعي (كتلتا حزب الله وحركة أمل) على اعتبار أنّه
قد جرى "الغدر" بهما والانقلاب على اتفاقات وتفاهمات حصلت لم يكشفا على
وجه التحديد مع من تمّت، ولا عن ماهية هذه الاتفاقات، ولوّحتا بمقاطعة الحكومة
المنتظرة، وبالتأكيد عدم منحها الثقة في المجلس النيابي، وبالتالي فتح معركة جديدة
من بداية عهد الرئيس جوزيف عون عنوانها عدم ميثاقية الحكومة المنتظرة التي لن تنال
في حال مقاطعتها من قبل الكتلتين الشيعيتين ثقة أيّ نائب شيعي، وبحسب وجهة نظر
هاتين الكتلتين، ستكون الحكومة فاقدة للميثاقية التي قام عليها لبنان.
وبغض
النظر عن هذه الاعتراضات والمواقف وما يمكن أن يحصل في مسار تشكيل الحكومة، فإنّ
لبنان بعد انتخاب جوزيف عون رئيساً صار أمام مشهد جديد سينقل البلد من مكان إلى
آخر، خاصة وأنّ الواقع الجديد في المنطقة ولبنان في ضوء نتائج الحرب الأخيرة، وفي
ضوء المتغيّر الكبير الذي حصل في سورية، أرسى نوعاً جديداً من موازين القوى
والتوازنات التي لم تعد تسمح للفريق الذي كان يتحكّم بالمشهد اللبناني بالاستمرار
بالسياسة ذاتها التي كان يمارسها ويفرض من خلالها رأيه وموقفه وسياسته على بقية
المكوّنات والأطراف السياسية الأخرى في البلد بما في ذلك مؤسسات الدولة، لصالح
إنتاج صيغة جديدة أكثر توازناً أو ربما تكون لصالح أطراف أخرى تريد أن ترسي نوعاً
جديداً من الموازين أو التوازنات التي ستختلف بكلّ تأكيد عن السابق.
العهد
الجديد، عهد الرئيس جوزيف عون، والحكومة المنتظرة، حكومة القاضي نوّاف سلام ستنقل
لبنان إلى واقع جديد هو لبنان الجديد، وقد كان هذا واضحاً في خطاب القسم الذي
ألقاه رئيس الجمهورية بعيد انتخابه حيث أكّد على جملة عناوين أبرزها سيادة الدولة
على كلّ أراضيها واحتكارها للسلاح دون غيرها، واستقلال القضاء ومكافحة الفساد
المغطّى من الطبقة السياسية، وتطبيق القرارات الدولية وفي مقدّمها القرار 1701
ومتفرعاته ذات الصلة؛ كما تماهت كلمة رئيس الحكومة المكلّف، نوّاف سلام، بعد
تكليفه تشكيل الحكومة مع خطاب القسم، وأكّدت على المعاني التي وردت في الخطاب،
ولكن تبقى العبرة بالتنفيذ لا بالخطابات.
لبنان
الجديد إذا ما سارت الأمور بشكل طبيعي لتنفيذ خطاب القسم ورؤية رئيس الحكومة سيكون
جديداً بالفعل، ستنتهي حقبة الصيف والشتاء تحت سقف واحد، ومواطنين درجة أولى لا
تطبق عليهم القوانين ولهم ميزات حمل السلاح ومخالفة القوانين وغيرها، ومواطنين
درجة ثانية يمكن أن يتهموا بالإرهاب وإثارة الفوضى وتهديد السلم الأهلي لمجرد موقف
سياسي يمكن أن يتخذوه، وبالتالي يقبعون في أقبية السجون لسنوات دون محاكمات؛
ستنتهي حقبة الاستقواء على الدولة ومؤسساتها وعلى قواها الأمنية والعسكرية وعلى
بقية اللبنانيين، وستنتهي أيضاً حقبة تعطيل المؤسسات الدستورية وشلّها لأبسط
الأسباب كما حصل مراراً في تشكيل الحكومات أو في انتخاب الرؤساء؛ ستنتهي حقبة
المحاصصة والزبائنية التي رهنت البلد وربطت مصالح المواطنين بالمنظومة الحاكمة
فتمّ إضعاف الدولة لصالح القوى الحزبية والطائفية التي تحكّمت بقراراها. ببساطة
إذا ما جرى تنفيذ خطاب القسم ورؤية الحكومة المنتظرة دونما تدخّلات من الخارج أو
إملاءات منه، سنكون أمام دولة المواطنة التي ستكون عنوان لبنان الجديد.
التحدّي
كبير أمام رئيسي الجمهورية والحكومة، والأمل كبير أيضاً، وهناك فرصة حقيقية
لانتشال لبنان من واقعه المزري وحالة التشظي التي عاشها لسنوات، بل ربما لعقود،
ليكون دولة المواطنة والمواطنية التي ينتظرها الجميع بما في ذلك الذين لم يكتشفوا
أهمية ذلك بعد.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن
"آفاق نيوز".