مروان
قبلان
يشدّد
الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، في تصريحاته، على أنه كاره للحرب، وأنه
الرجل الذي سينهي مآسيها في العالم وينشر السلام. يدلّل على مزاعمه بأن ولايته
الأولى لم تشهد حروباً، يقصد أنه لم يورّط بلاده في حروب خارجية، باستثناء، كما
قال، الحرب على "داعش"، والتي ورثها عن سلفه، باراك أوباما. ويقول ترامب
أيضاً إنه مستعدٌّ أن يأخذ كل خطوة، وأن يقطع كل ميل من أجل الوصول إلى حلول
دبلوماسية لصراعات العالم، كما فعل عندما ذهب للقاء زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ
أون، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والصيني، شي جينبنغ، ومحاولاته لقاء الرئيس
الإيراني الأسبق، حسن روحاني، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في
نيويورك. ويعد ترامب بأنه، وبمجرد تسلّمه الحكم، سوف يكون قد أنهى الحرب في
أوكرانيا، وحربي لبنان وغزّة، فهو رجل الصفقات والتسويات، وليس رجل الحروب
والمواجهات.
تختلط
المشاعر إزاء تصريحات الرئيس ترامب عن رفضه الحروب، خاصة في ضوء تشكيلة فريقه في
السياسة الخارجية والدفاعية، والتي تثير قلقاً في العالم، نظراً إلى اشتمالها على
غلاة اليمين المتطرّف في المشهد السياسي الأميركي من مرشّحه لوزارة الخارجية،
ماركو روبيو، إلى مرشّحه لوزارة الدفاع، بيت هيغسيث، والمرشّحة لإدارة وكالة
المخابرات الوطنية، تولسي غابارد. لكن هذا ليس ما يثير قلق الأميركيين الذين صوت
أقل من 4% منهم في الانتخابات أخيراً على أساس مواقفهم من السياسة الخارجية، بل
تعيينات الرئيس في المناصب الحكومية التي تتصل بالسياسات الداخلية، والتي يعدّها
بعضهم إعلانَ حربٍ على أميركا.
لا يخفي
ترامب حنقه الشديد على خصومه السياسيين في المعسكر الليبرالي، وما يسمّيها
"الدولة العميقة" التي حاولت، بشتى السبل، اعتراض طريقه إلى البيت
الأبيض، سواء في ولايته الأولى أو في الانتخابات أخيراً. وتشمل قائمة خصومه
بيروقراطية الدولة، القضاء، الإعلام، الجامعات، ولا يستثني منها المؤسسة العسكرية.
ويطمح ترامب إلى استغلال كل دقيقة في السنوات الأربع المقبلة لإحداث تغيير عميق في
بنية الدولة الأميركية، بما يخلصها، كما يرى، من قبضة اليسار، والليبراليين الذين
باتوا يهدّدون بأجندتهم هوية البلاد وتماسكها الاجتماعي. هذا يفسّر استعجال ترامب
للحكم، وترشيحاته التي فاجأت بسرعتها الجميع، فلدى الرجل أجندة داخلية واضحة، ولا
يملك وقتاً كثيراً لإضاعته، ولا يريد تكرار تجربة ولايته الأولى عندما استغرقت بعض
التعيينات أكثر من سنتين بسبب المماحكات مع الكونغرس. طريقة ترامب الناجعة لتنفيذ
أجندته بتغيير أميركا من الداخل هي تجنيد "رجال حول الرئيس" يرتبط
وجودهم به، لا يشك في ولائهم، ولا يحاولون اعتراض أجندته، أو تعطيلها، كما حصل
عندما استخدم، في ولايته الأولى، سياسيين تقليديين أقوياء تحدّوه، وعطّلوا أجندته
في الداخل والخارج.
ويلعب
ابن الرئيس، دونالد ترامب جونيور، دوراً محورياً في اختيار فريق والده على ما
يبدو، حتى بات ينظر إليه باعتباره صانع الملوك في إدارته، حيث تأتي أكثر الترشيحات
عن طريقه، علماً أنه من أقنع والده باختيار المؤدلج اليميني، جي دي فانس، ليكون
نائباً للرئيس، رغم أن فانس كان قد انتقد ترامب علناً عام 2020.
ومن
ترشيحات ترامب التي تثير المخاوف داخلياً مرشّحه لوزارة العدل، مات غايتز، الذي
سيعهد إليه، على ما يبدو، بتطهير أجهزة الوزارة، بما فيها القضاء من خصوم ترامب الليبراليين
الذين حاولوا زجّه في السجن، إضافة إلى ملاحقة خصومه السياسيين. سوف يسعى ترامب
أيضاً إلى فرض أجندة يمينية واضحة في وزارة التعليم، وخنق الإعلام الليبرالي عبر
تحالف يسعى إلى إنشائه مع عمالقة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي الذين غيّر
بعضهم مواقفه من ترامب أخيراً، مثل مارك زوكربيرغ وجيف بيزوس. أما حليفه الأبرز
إيلون ماسك فسوف يدير "وزارة الكفاءة الحكومية" لتفكيك مؤسّسات الدولة
"المترهلة" وإعادة بنائها بطريقة "رشيقة". يريد ترامب، فوق
ذلك، الانتقام من المؤسّسة العسكرية، ممثلة برئيس هيئة الأركان السابق، مارك ميلي،
الذي وجّه انتقادات قاسية إليه، ويريد استدعاء كل الضباط المسؤولين عن الانسحاب
"المذلّ" من أفغانستان للمحاكمة. بهذا المعنى، يبدو ترامب محقّاً في
قوله إنه لا يريد حرباً في العالم، لأن حربه الفعلية داخل أميركا وليس خارجها.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".