د. وائل نجم
الاستشارات
النيابية المُلزمة التي أجراها رئيس الجمهورية جوزيف عون كانت سريعة وحاسمة لناحية
تسمية وتكليف القاضي نوّاف سلام تأليف الحكومة على الرغم من الحديث عن غدر وخيانة
وانقلاب بعض الكتل النيابية على بعض، وعلى الرغم من عدم رضا كتل نيابية، لا سيما
الثنائي الشيعي الذي تمنّع عن تسمية أيّة شخصية لرئاسة الحكومة، وقاطع الاستشارات
التي أجراها رئيس الحكومة المكلّف ثم بعد ذلك أكّد على استعداده المشاركة في
الحكومة وفق شروط محدّدة وضعها على طاولة الرئيس المكلّف.
من
الواضح أنّ استشارات تسمية رئيس الحكومة كان أسهل بكثير من استشارات ومساعي
تأليفها؛ استشارات التسمية مُلزمة لرئيس الجمهورية، وقد أفضت إلى تسمية نوّاف
سلام، أمّا استشارات التأليف فهي غير مُلزمة وتدخل فيها الحسابات السياسية
والمصالح والمحاصصة وغيرها من العوامل، ومن الواضح أنّ الرئيس المكلّف الذي كان يَعِدُ
بأنّ يعلن الحكومة خلال أيام قليلة ويعتقد بإمكانية ذلك، بدأ يصطدم بمطالب الكتل
النيابية التي تريد حصصاً وازنة في الحكومة المقبلة، وتريد كلّ كتلة أن تحصل على وزارات معيّنة، وتشترط
على الرئيس المكلّف شروطاً عديدة وكثيرة من أجل إعطاء الحكومة المنتظرة الثقة في
المجلس النيابي.
ولعلّ
منطق المحاصصة الذي ساد خلال العقود الماضية، ووعد الرئيس المكلّف بتجاوزه، بدأ
يطلّ برأسه من جديد؛ ولعلّ أكثر الكتل النيابية اشتراطاً على الرئيس المكلّف هي
تلك الكتل التي تُعِدّ نفسها داعماً للعهد والرئيس المكلّف، وهي التي بدأت تشكّل
عائقاً أمام التأليف، فضلاً عن مطالب وشروط الثنائي الشيعي الذي كان واضحاً منذ
اللحظة الأولى لناحية اشتراطه المشاركة ومنح الحكومة الثقة.
من
جهته رئيس الجمهورية لا يريد لعهده أن يبدأ بمشكلة داخلية مع أي طرف، ولذلك يريد
أنّ يضع ويقدّم الحلول لكلّ العقبات خاصة مع الثنائي الشيعي، من دون الخضوع لشروط
هذا اثنائي أو لشروط غيره في المقابل، ومن هنا بدأت العقبات تتكدّس أمام مسار
التأليف وتكبر ككرة ثلج وبالتالي تؤخّر وتعيق التأليف، وصولاً إلى القبول بمنطق
المحاصصة وبالتالي الخضوع لشروط الكتل النيابية والقوى السياسية وهو ما سيعيد
إنتاج الأزمة في البلد، أو على أقل تقدير سيطيح الأمل الذي تَشَكّل لدى المواطنين
بإمكانية الخروج من الأزمة التي يمرّ بها لبنان.
هل
يخضع الرئيس المكلّف لشروط الكتل النيابية وينزل على مطالبها؟ أم ترى يبذل المزيد
من المحاولات لتدوير الزوايا وتشكيل قناعات بأهمية تشكيل حكومة تعمل على تغيير
الواقع القائم في البلد؟ أم ترى يصل بعد فترة إلى قناعة وصل إليها من قبل السفير
مصطفى أديب الذي كُلّف تأليف حكومة وبعد محاولات عديدة وصل إلى حائط مسدود فاعتذر
عن التأليف وانصرف إلى ممارسة عمله الدبلوماسي في ألمانيا من جديد؟
لا
شكّ أنّ المجتمَعَين الدولي والعربي يؤكّدان على دعم لبنان وهذه فرصة للتعافي، غير
أنّ القفز فوق الاعتبارات الداخلية وحجم تأثير القوى السياسية والكتل النيابية في
المشهد، وحجم الانقسام الذي عاد يبرز في لبنان لا يتيح سهولة الوصول إلى التأليف والتعافي،
وهنا بدأ الرئيس المكلّف ومعه رئيس الجمهورية يجدان أنّ سهولة التكليف لا تعني
مطلقاً سهولة التأليف، والسلام على سلام.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".