حول الزلازل الطبيعية التي أصابت بلدان المنطقة
شباط 09, 2023

د. وائل نجم

طغت أخبار الزلزال الذي أصاب جنوب شرق تركيا وشمال سوريا وخلّف دماراً هائلاً في المنطقتين على غيره من الأخبار، خاصة وأنّ سكان البلدان المحيطة في لبنان والعراق والمناطق المجاورة في كلّ من تركيا وسوريا قد شعروا به، وترافق أيضاً مع هزّات ارتدادية لم تهدأ على مدار أكثر من ست وثلاثين ساعة بعد الزلزال الأول الذي بلغت قوته وفق مراكز الرصد أكثر من سبع درجات.

لم يستطع الإنسان أن يتنبّأ بحدوث الزلازل والهزّات الأرضية حتى اللحظة على الرغم من الجهود الكبيرة والكثيرة التي بذلها علمياً للوصول إلى هذه الحالة. ربما هذه من الأسرار المحفوظة عند الله، خاصة وأنّ الزلازل، كما يُقال، لها علاقة بنشاط داخلي في أعماق الأرض، والإنسان لم يصل بعد إلى معرفة أسرار هذه الأعماق، هو بالكاد عرف أسرار سطح الأرض، وليس كلّها، فكيف بباطق وأعماق الأرض، ولذلك فإنّها تأتي (الهزّات) بغتة وفي لحظات غير محسوبة لدى الناس، فتخلّف ما تخلّف من دمار أو ضحايا أو ما سوى ذلك.

وحتى لا نغوص أكثر في أسباب هذه الزلازل والهزّات الأرضية، ولكل صاحب اختصاص تفسيره الخاص لأسبابها، فعلماء الجغرافيا والأرض لهم تفسيرهم الخاص المتصل بتركيبة الأرض وحركتها. وعلماء الطبيعة والمناخ لهم تفسيرهم المتصل ربما بالتغيّر المناخي وما له علاقة به. وعلماء الدين لهم تفسيرهم المتصل برضا الله أو غضبه على الأمم والشعوب بمقدار التزامهم طاعته أو معصيته. وهكذا لكل صاحب اختصاص أسبابه التي قد تكون محقّة ومكمّلة لغيرها. غير أنّه لا بدّ من الوقوف عند تعاطي الإنسان مع هذه الزلازل على مستوى الحكومات والمؤسسات والأفراد.

إذا تتبعنا أخبار ما بعد الزلزال في تركيا وسوريا لاحظنا على مستوى الحكومات أنّ الحكومة التركية جنّدت كلّ أمكاناتها وتحوّلت بكل وزرائها ومسؤوليها بدءاً من الرئيس حتى آخر موظف إلى خليّة نحل، وشكّلت إدارة لهذه الكارثة، وبدأت قبل أن تهدأ الهزّات الارتدادية بالعمل على المعالجة وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، وإيواء المشردين الذين تهدّمت بيوتهم، ونقل المصابين إلى المشافي.

في مناطق الشمال السوري حيث يخضع لسيطرة المعارضة السورية والحكومة المؤقتة، كانت الأمور أسوأ. فليس لدى هذه الحكومة قدرات مالية وبشرية وخبرات في إدارة مثل هذه الكوارث، فضلاً عن أنّ العالم لا يعترف بها، وبالتالي لم تتلقّ الكثير من المساعدات مع أنّ قرى وبلدات بأكملها دُمرها الزلزال. أمّا في مناطق سيطرة النظام، فلم يكن الأمر أفضل بكثير، فالحرب التي أنهكت النظام والمعارضة لم تترك فرصة للتعامل مع مثل هذه الكارثة بخبرة وقدرات مالية كبيرة.

فيما يتصل بالخارج نجد أن حكومات شقيقة وصديقة للشعبين تحرّكت على وجه السرعة وأعلنت عن مساعدات ضخمة للإيواء ومعالجة المصابين والإنقاذ، فيما لاذت حكومات أخرى بالصمت ولم تعلن عن أيّة مساعدة مع قدرة البعض منها على ذلك، وربما أقحمت السياسة في هذا العمل الإنساني الإغاثي. بينما نجد أن حكومات كانت أقرب في موقفها إلى التشفّي حتى ولو من الشعوب.

على صعيد الإعلام نجد أنّ وسائل إعلام عالمية وعربية أفردت كل اهتمامها لنقل أخبار الزلزال ومعاناة الناس وراحت تدعو إلى تحفيز الشعوب على تقديم المساعدة والتضامن، بينما وسائل إعلام أخرى بدأت قبل أن تتوقف الهزّات الارتدادية حملات سياسية بعيداً عن أيّ شعور إنساني. في حين سخرت وسائل إعلام في بعض الدول الغربية ولم تكترث لحجم وهول الكارثة.

وفيما يتعلّق بالشعوب والمؤسسات الأهلية أثبتت الشعوب العربية والإسلامية أنّها ما زالت تحمل شعور الأخوة والتضامن فيما بينها، وأنّها تتألّم لألم أحدها وتفرح لفرحه، فهبّت هذه المؤسسات الأهلية والأفراد على مستوى العالمين العربي والإسلامي إلى نجدة الشعبين التركي والسوري في هذا المصاب، وأثبتت هذه الشعوب مرّة جديدة أنّها تحمل شعوراً أخوياً وإنسانياً كبيراً.

خلاصة القول أمام هذه الأحداث الجسيمة، وبغض النظر عن أسبابها، من المفترض أن يتداعى الناس للتضامن مع بعضهم، فكلّ إنسان تأتي اللحظة التي يكون فيها بحاجة إلى غيره. والأهم من ذلك أن يأخذ المرء العبر والعظات من هذه الأحداث الطبيعية، فلهذا الكون ربٌّ يتصرّف فيه وفق إرادته ومشيئته التي لا رادّ لها، والسلام.