د. وائل
نجم
يعود
تاريخ انتشار قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) في جنوب لبنان إلى العام 1978 حيث
جاءت إنفاذاً لقرار مجلس الأمن 425 ولتنفيذه والإشراف على انسحاب قوات الاحتلال
الإسرائيلي من الجنوب بعد اجتياح تلك القوات لمنطقة جنوب الليطاني فيما عُرف في
حينه بـ "عملية الليطاني"، وتأمين السلام لسكان المنطقة، ومنذ ذلك الحين
وتنتشر اليونيفيل في المنطقة الحدودية لكنها لم تؤمّن السلام الحقيقي لسكان
المنطقة الحدودية، ولم تمنع الاعتداءات الإسرائيلية عليهم، ولم تقف دون اجتياح
قوات الاحتلال لكلّ الجنوب وصولاً إلى بيروت في العام 1982.
بعد
العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز من العام 2006 وبموجب قرار جديد لمجلس الأمن
هو القرار رقم 1701 جرى تعزيز قوات اليونيفيل في الجنوب وزيادة عديدها من خمسة
آلاف جندي إلى 15 ألف جندي من عدة دول أبرزها فرنسا، إيطاليا وأسبانيا؛ كما جرى
تعديل مهامها بحيث صارت مكلّفة تنفيذ وتطبيق القرار 1701 ومنع السلاح والمظاهر
المسلحة في المنطقة التي تنتشر فيها جنوب الليطاني، ومنع الاعتداءات والخروقات
الإسرائيلية على لبنان كونها مكلّفة بالتحقق من وقف الأعمال العدائية، غير أنّها
لم تمنع تلك الاعتداءات بل كانت تكتفي بإحصائها ورفع تقارير فيها، ولم تحل أيضاً
دون عودة المقاومة لتجديد بنيتها العسكرية في المنطقة الحدودية، غير أنّها ظلّت
تقوم بدورها الروتيني بتسيير دوريات في تلك المنطقة، والقيام أحياناً بإجراءات
التفتيش والبحث عن مخابئ سلاح أو قواعد عسكرية بالتنسيق الكامل مع الجيش اللبناني؛
وقد حاولت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إدخال تعديلات على مهامها أكثر من مرّة وتمكّنت من ذلك في آب من العام 2022 حيث انتزعت
من مجلس الأمن تعديلاً أُعطيت بموجبه اليونيفيل حقّ تسيير الدوريات وإجراء عمليات
البحث والتفتيش مع أو من دون الجيش اللبناني، وهو الشيء الذي أدّى إلى العديد من
المواجهات مع شبّان من الأهالي في أكثر من بلدة جنوبية.
وبعد
الحرب الأخيرة التي عُرفت بحرب الإسناد، وبعد الاتفاق الذي جرى بين لبنان وحكومة
الاحتلال على وقف الحرب، استند الاتفاق إلى القرار 1701 وبالتالي عن اليونيفيل
ودورها ومهامها في صلبه.
راحت
اليونيفيل منذ بضعة أشهر تقوم بعملية تعقّب لأيّ تحرك ذي طابع عسكري في جنوب
لبنان، ومارست في بعض الأحيان دورها في عملية البحث والتفتيش عن أسلحة وقواعد
عسكرية تحت أرضية أو فوق أرضية، بتنسيق مع الجيش اللبناني أو من دون تنسيق مع
الجيش، وهو ما أدّى إلى حصول مواجهات يومية مع شبّان ينتمون إلى حزب الله أو
يدورون في فلكه تحت مسمّى الأهالي؛ غير أنّ هذه القوات لم تمنع ولم تحل دون قيام
قوات الاحتلال بالاعتداءات اليومية على الجنوب وكان آخرها قبل كتابة هذا المقال
استهداف جندي في الجيش اللبناني مع والده وشقيقه في بلدة شبعا الجنوبية ما أدّى
إلى استشهاد الجندي ووالده وجرح شقيقه؛ كما وأنّها لم توقف الخروقات الإسرائيلية
اليومية للأجواء اللبنانية، ولم تمكّن سكان القرى الحدودية من العودة إلى منازلهم
المهدّمة أو بنائها، فضلاً عن أن تؤمّن لهم الاستقرار فيها. غير أنّها ظلّت تشكّل
في المقابل عنصراً مزعجاً لقوات الاحتلال الإسرائيلي لا يتيح له حريّة الحركة
الكاملة في الجنوب فضلاً عن إحصائه اليومي لانتهاكات الاحتلال وتزويد مجلس الأمن
والجمعية العامة للأمم المتحدة بها.
اليوم
ومع اقتراب التجديد لليونيفيل في آب المقبل يجري الحديث عن عدم التجديد لهذه
القوات، وقد كشفت وسائل إعلام إسرائلية عن رغبة لدى الحكومة الإسرائيلية الحالية
عن ذلك، وأشارت أيضاً إلى اتفاق مع الإدارة الأمريكية عليه، وقد نفت الإدارة
الأمريكية ذلك. في مقابل تمسّك لبناني رسمي بالتجديد لليونيفيل عبّر عن رئيس
المجلس النيابي نبيه برّي أكثر من مرّة، ومحاولة لبنانية شعبية وغير رسمية بجعل
سقف تحرك اليونيفيل محكوماً بالتنسيق الكامل مع الجيش اللبناني وعدم الذهاب إلى
حريّة الحركة الكاملة لأنّ من شأن ذلك جعل المنطقة الحدودية تحت سيطرة إسرائيلية
غير مباشرة.
لكن
بعيداً عن الأمنيات والرغبات يبدو إلى الآن أنّ دور ووظيفة اليونيفيل لم ينته بعد،
وأنّ الحديث الإسرائيلي عن رفض التجديد لها يقع في إطار الضغط لتعديل دورها
وحضورها بحيث تتحوّل إلى أداة كاملة وطيّعة بيده، وليس الهدف منه انسحابها لأنّ
حصول ذلك يعني مسألة واحدة فقط هي التصعيد العسكري المفتوح الذي قد لا يكون له
سقف.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن
"آفاق نيوز".