عن حاجة المنطقة إلى حلف سعودي- مصري- تركي!
كانون الأول 31, 2025

د. وائل نجم

تشهد المنطقة العربية الإسلامية الممتدة من القرن الإفريقي عند الطرف الجنوبي الشرقي للقارة الإفريقية في الصومال وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط شمالاً ومن ثمّ إلى منطقة الخليج العربي في الشرق والساحل اليمني على بحر العرب وخليج عمان في الجنوب مخاضاً عسيراً وأحداثاً كبيرة تنذر بتغييرِ كبير في مشهد الشرق الأوسط برمته بحيث يمكن لهذه الأحداث والتطوّرات أن ترسم وتقرّر مصير ومستقبل هذه المنطقة، بل الشرق برمته لقرن كامل من الزمن أو ربما لأكثر من ذلك.

فقد شهد إقليم أرض الصومال في الطرف الشمالي الشرقي للصومال إعلان الاستقلال عن الصومال ونال أول اعتراف من دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تعمل لفتح الطريق لاعترافات أخرى، وتطمع في إقامة علاقات قويّة لتكون مقدّمة لإقامة قواعد عسكرية متقدّمة لدولة الاحتلال في تلك المنطقة، بحيث أنّها تصبح على مقربة من اليمن، وتشرف بشكل مباشر على الملاحة في مضيق باب المندب، فضلاً عن أنّها تكون قد قسمت الصومال إلى أكثر من دولة، وبإمكانها عند ذلك أن تحاصر مصر في البحر الأحمر، وأن تحمي مشروعها الحيوي في سدّ النهضة الإثيوبي الذي موّلته وشاركت في حمايته لتضغط من خلاله على مصر وتحاصرها بسلاح المياه.

في مقلب آخر صعّدت قوات الدعم السريع في السودان من عملياتها في أكثر من منطقة وإقليم سوداني بهدف استنزاف السودان وتقسيمه بدعم مفتوح بات معروفاً من دولة الإمارات العربية المتحدة وبشكل غير مباشر من دولة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك لحصار مصر سياساً وعسكرياً واقتصادياً ودفعها إلى القبول بسياسات دولة الاحتلال في فلسطين وبقية المنطقة.

وفي قبالة الصومال، أقدم المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن على الإطاحة بالحكومة الشرعية اليمنية وطرد قواتها من محافظتي حضر موت والمهرة على الرغم من كونه أحد مكوّنات هذه الحكومة، وقد سيطر المجلس بشكل كامل على المحافظتين وبالتالي على الساحل اليمني المطل على خليج عدن بشكل كامل، ومنع أيّ إطلالة للحكومة الشرعية على أي منفذ بحري؛ وتجدر الإشارة إلى أنّ المجلس الانتقالي الجنوبي يتمتّع بعلاقات وثيقة وقويّة، بل برعاية كاملة سياسية ومالية وعسكرية من دولة الإمارات العربية المتحدة التي ترتبط بدورها، وكما يعلم الجميع، بعلاقات وثيقة وقويّة بدولة الاحتلال الإسرائيلي، حتى أنّ الكثير من السياسيين والمحلّلين والمراقبين والخبراء يتهمونها باعتماد سياسة لا يستفيد منها سوى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهنا تبرز خطورة سيطرة المجلس الانتقالي الجونبي على هذه المحافظات كمقدمة لإعلان انفصال جنوب اليمن عن الحكومة الشرعية، وبالتالي تقسيم اليمن، وهو ما يشكّل تهديداً مباشراً للأمن القومي السعودي والمصالح السعودية، بل ويشكّل خطوة في إطار محاولات حصار السعودية سياسياً واقتصادياً، وهو بالطبع ما يشكّل خطراً على المنطقة كلّها، ويفتح الطريق أمام هيمنة وسيطرة دولة الاحتلال على المنطقة تنفيذاً لمخططات الاحتلال إقامة "إسرائيل الكبرى".

أمّا في سورية فإنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي وأدواتها تعمل على إشعال الفتنة وإشاعة أجواء الفوضى حتى لا تتمكّن الحكومة السورية من فرض الأمن والاستقرار والنهوض بالبلاد بعد قرابة عقد ونصف من الحرب؛ وبهدف تقسيم سورية إلى دويلات تقع تحت هيمنة وإدارة دولة الاحتلال ودعمها، وقد رأى العالم كيف تدخّلت طائرات الاحتلال الإسرائيلي لحماية المجموعات المتمردّة والخارجة عن القانون والدولة في "جبل العرب" و"محافظة السويداء"، كما تابع العالم محاولات دولة الاحتلال إفشال أيّة محاولة لحلّ أزمة "شرق الفرات" من خلال الحلول السلمية بحيث تندمج هذه المنطقة والقوات التي تسيطر عليها (قسد) ضمن مؤسسات الدولة السورية، وذلك كمحاولة من دولة الاحتلال لتقسيم سورية وإضعافها وإضعاف موقها وتأثيرها، مع ما يعنيه ذلك من خطر كبير على الأمن القومي التركي التي تحاذي سورية بحدود بريّة طويلة.

إذاً، الأحداث التي تشهدها المنطقة، والنوايا الإسرائيلية تجاه دولها وشعوبها، والتحركات الإسرائيلية فيها تؤكّد بما لا يدع أيّ مجال للشكّ أنّها تستهدف بشكل أساسي ومباشر ثلاث دول أساسية ورئيسية وكبرى في المنطقة: السعودية، مصر، وتركيا، وإن كان المسرح في دول أخرى، وذلك بهدف إخضاع هذه الدول وتقسيمها والسيطرة عليها وتالياً السيطرة على كلّ المنطقة إنفاذاً لما سمّاه ذات يوم رئيس وزراء دولة الاحتلال بالرؤية التوراتية النورانية.

بناءً عليه، وحيث أنّ التحدّيات والمخاطر المحدقة بكلّ من السعودية ومصر وتركيا واحدة، وبما أنّ العدو الذي يستهدف هذه الدول واحد، وبما أنّ الحاجة لدفع مخاطر هذه التحدّيات والمخاطر على كلّ دولة منها تستدعي تعاونها مع غيرها، فإنّ الحاجة باتت ملحّة للتعاون بين هذه الدول الثلاثة، بل الحاجة باتت ملحّة لأكثر مما هو تعاون، بل لإقامة تحالف استراتيجي بينها لدفع المخاطر عنها وعن أمنها القومي أولاً، وعن أمن واستقرار المنطقة، ولفرض حالة من التوازن على أقلّ تقدير في المنطقة في المرحلة المقبلة، ولرسم مستقبلها في مرحلة لاحقة.

الواجب اليوم يدعو هذه الدول إلى الإسراع في إقامة هذا التحالف وضمّ الدول العربية والإسلامية الأخرى إليه، وتشكيل حالة ردع بوجه كلّ من يحاول الهيمنة على المنطقة العربية الإسلامية والتحكّم بها. والواجب أيضاً يستدعي من القوى الحيّة والناشطة في الأمّة تقديم هذه الأولوية في هذه الفترة، وتأخير الخلافات البينية في سلّم الأولويات، فالتحدّي محدق بكلّ الأمّة.

وأمّا عن الجانب الذي يتربّع على رأس النظام الدولي فيكفي طمأنته على مصالحه في لحظة يبحث فيها عن حلفاء لمواجهة نار التنين التي بدأت تأتي من الشرق.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".