د. وائل
نجم
تكثّف في
الفترة الأخيرة الحديث عن سحب أو نزع السلاح وحصريته بيد الدولة وبموازاته عن
ضرورة اعتماد استراتيجية دفاع وطني تحمي لبنان من الأطماع، وتحمي سيادته بما يجعله
ويمكّنه من أن يكون صاحب القرار فوق أرضه وترابه وعلى مواطنيه؛ وليس هناك أدنى
خلاف في أن تكون الدولة صاحبة السيادة على أرضها وقرارها، ولا في أن تكون صاحبة
الحقّ الحصري بامتلاك السلاح، حتى أنّ الذين كانوا في الماضي يديرون الظهر لهذا
المطلب، أدركوا اليوم أنّ ذلك في مصلحة لبنان واللبنانيين على حدّ سواء. غير أنّ
مسألة كيف نحمي لبنان من أطماع الآخرين، سيّما الاحتلال الإسرائيلي الذي ما زال
جاثماً على جزء من الأراضي اللبنانية في الجنوب، وأشهر ويشهر أطماعه في المنطقة
كلّها وليس في لبنان فحسب، فتلك مسألة أخرى تحتاج إلى نقاش وطني حقيقي جريء وبعيد
عن كل الكيّديات أو المواقف المسبقة من بعضنا البعض.
الدعوة
إلى سحب السلاح وحصريته بيد الدولة كان وما زال مطلباً لكثير أو لمعظم اللبنانيين
الذي ساءهم في وقت من الأوقات خروج وظيفة السلاح عن دورها ووظيفتها الأساسية؛
يومها نظر البعض بشكل سلبي للسلاح خارج إطار الأجهزة الرسمية المعروفة والمعهودة،
وطرح مطلب سحبه ليكون بيد الدولة الجامعة التي يستظلّ في فيئها الجميع، ويومها تمّ
اقتراح ضرورة اعتماد استراتيجية دفاع وطني تجعل الدولة صاحبة قرار الحرب والسلم،
وتستفيد من عناصر القوّة التي تجمّعت بيد الكثير من اللبنانيين، سواء كانوا
مجموعات أو أحزاباً أو أفراداً، وتالياً من خبرة المقاومة المسلّحة على تنوّعها في
الدفاع عن لبنان أو في ردّ أيّ اعتداء يقع عليه؛ غير أنّ الاقتراح لم يلقَ يومها
آذاناً صاغية لاعتبارات كثيرة ليس محل ذكرها الآن.
اليوم
الدعوة إلى سحب أو نزع السلاح جاءت من الخارج بشكل أساسي، وربما تكون تناغمت مع
الداخل أو ربما يكون العكس. مطلب سحب أو نزع السلاح يشكّل اليوم شرطاً من شروط
مفاعيل وقف إطلاق النار وانهاء الحرب الأخيرة على لبنان في العام 2024. والحديث
يجري عن مهل زمنية وعن شروط تربط بين نزع السلاح وتسليمه وبين السماح بإعمار ما
تهدّم خلال الحرب. والحديث يجري عن الأسلحة الكبيرة التي تهدّد بشكل أساسي كيان
الاحتلال الإسرائيلي أو التي تفرض، ولو بالحدّ الأدنى، معادلة كانت على مدى عقدين
من الزمن تقريباً تشكّل توازناً يحفظ الأمن والاستقرار النسبي الذي كان يعرفه
الجميع، ولا يشمل الحديث السلاح الخفيف الذي يشكل التهديد الحقيقي للبنان لأنّه
يشكّل المفتاح لأيّة فوضى داخلية أو حرب أهلية أو عدم استقرار داخلي. بمعنى آخر
المطلب الخارجي لسحب السلاح غير معني بشكل أساسي بما يمكن أن يحدث في الداخل
اللبناني وبما يمكن أن يجرّ اللبنانيين إلى مربعات الفوضى والحرب الأهلية، بل
المطلب يركّز على ما يمكن أن يهدّد أمن الاحتلال أو يخلّ بأيّ توازن معه بحيث لا
يتيح له استكمال إجراءات السيطرة والتحكّم بالمنطقة وفقاً لما قاله وصرّح به في
نهايات أيلول من العام 2024 رئيس وزراء كيان الاحتلال عندما تحدّث عن تغيير النظام
في لبنان ومنه في المنطقة.
أطماع
الاحتلال الإسرائيلي واضحة وباتت مكشوفة للجميع بمن فيها الدول العربية الشقيقة
التي أقامت معاهدات تسوية وعلاقات مع هذا الكيان، وهي اليوم تبحث عن آلية وطريقة
توقف من خلالها مشاريع الاحتلال التي باتت تشكّل تهديداً مباشراً لأمنها القومي
كما هو حاصل مع مصر والأردن، ولبنان لن يكون بمنأى عن هذه الأطماع، خاصة وأنّ كيان
الاحتلال يعتبر أنّ بينه وبين لبنان ثأراً قديماً، وعليه فإنّ الإصغاء إلى مطلب أو
النزول على شرط سحب السلاح بحسن نيّة من طرف الدولة اللبنانية ينزع منها نقطة قوّة
ويجعلها ضعيفة مستقبلاً أمام أيّة مطالب أو شروط أخرى.
ولكن في
مقابل ذلك أيضاَ لا يمكن أن تظلّ مسألة السلاح من دون قيود وقواعد وضوابط تجلعها
نقطة قوّة بيد الدولة وفي مصلحة اللبنانيين، ولا أن تكون فوق القرار الصادر عن
قناعة لبنانية خالصة بأنّ امتلاك القوّة هو مصلحة للجميع وليس لفئة على حساب فئات
أخرى.
من هنا يصبح
النقاش في اعتماد استراتيجة دفاع وطني يشترك فيها كلّ اللبنانيين، وتكون تحت سقف
الدولة، مسألة ملحّة وفي غاية الأهمية، إذ أنّها تنزع أيّة أزمة داخلية بين
اللبنانيين أولاً، وتقوّي جبهتهم في مواجهة أيّ عدوان جديد يريد النيل منهم ومن
دورهم وحضورهم وثرواتهم، وهنا لا بدّ من قناعة يجب أن تتشكّل لدى كلّ المعنيين، من
شخصيات ومجموعات، بضرورة النقاش الجدّي الحقيقي للوصول إلى هذه الغاية، والخروج من
منطق الاستقواء على الشريك في الوطن، وليس مجرد "الجدل البيزنطي" الذي
لا يورث إلّا الفقر والضعف وتشتت عناصر القوّة، ويفتح المجال للاختراق.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".