عندما تعيد خطة ترامب التاريخ إلى "7 أكتوبر"
تشرين الأول 01, 2025

جيرار ديب

أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تفاصيل خطّته لإنهاء الحرب المستمرّة في قطاع غزّة، متعهّداً بأن يتحوّل القطاع "منطقةً خاليةً من التطرّف والإرهاب"، وألّا يشكّل تهديداً لجيرانه على حدّ تصريحاته. مهلاً، يا سيّد ترامب، أليس ما أكّدْتَ عليه في مؤتمرك الصحافي، الذي جمعك برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض وإلقائه كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على ما يبدو مستنسخاً ومنقولاً؟ إذ هذا ما سمعه العالم بعد "7 أكتوبر" (2023)، وبعد "طوفان الأقصى، العملية التي شنّتها حركة حماس في مستوطنات غلاف غزّة، فأطلق نتنياهو أهداف عمليته العسكرية في القطاع تحت هذه العناوين. لهذا يتساءل المتابع ماذا قدّمت خطّة ترامب جديداً لوقف الحرب في قطاع غزّة؟

قدم الوسيطان القطري والمصري الورقة إلى حركة حماس لقراءتها ودراستها، وعلّق الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، أنّ الخطّة ليست سوى محاولة أميركية لفرض ما عجزت عن تحقيقه إسرائيل بالحرب. فبالنسبة إلى الفصائل الفلسطينية، لا يمكن لهذه الخطّة إلّا أن تحاكي مطالب إسرائيل، فأبرز بنودها، التي تضمّنت سحب سلاح الفصائل، وإقامة هيئة مراقبة دولية برئاسة ترامب يكون رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عضواً فيها، دلالة واضحة على انحياز واشنطن لمقترحات إسرائيل قبل بدء عدوانها على القطاع.

لم تتضمّن الخطة هواجس إسرائيل فحسب، بل حملت في طياتها فِكَر ترامب بتحويل القطاع "ريفييرا الشرق الأوسط"، إذ لطالما وجد الرجل في هذا القطاع فرصاً استثمارية للشركات الأميركية، كما أن الدور المنتظر للقطاع في اليوم التالي للحرب، بحسب المقترح الأميركي، وضع إسرائيل عبر قناة بن غوريون في خريطة التجارة العالمية بعد الاتفاق مع الهند والدول الأوروبية (10/9/2023) على تعبيد "طريق الاقتصادي الهندي". في الشكل، حملت الخطة مقترحات نتنياهو في يومه الأول من بدء العدوان على القطاع، ولكن في هذا اليوم أيضاً استأثرت إسرائيل بدعم دولي مطلق، إذ توالت الاستنكارات (والإدانات) العالمية لما قامت به "حماس"، "وغصّ" مطار بن غوريون بحركة الوفود الرسمية من الصف الأول، التي جاءت لتبدي حزنها وتضامنها ودعمها إسرائيل. هذا ما أعطى لإسرائيل ضوءها الأخضر في البدء بأكبر عملية إبادة وتهجير بحقّ الشعب الفلسطيني، إلى درجة أنّ بعضهم وجد فيها نكبة ثانية بعد نكبة 1948.

تكشّف مع الوقت للرأي العام الدولي الإجرام الإسرائيلي، الذي عرقل، في أحيانٍ كثيرة، المبادرات الدولية لوقف الحرب وإطلاق الأسرى المحتجزين في غزّة، وكان جديدها أخيراً ورقة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في مايو/ أيار الماضي. لم يتوانَ نتنياهو وحكومته المتطرّفة في التصريح عن نياتهم تجاه القطاع وساكنيه، ليطلق نتنياهو شعار "تغيير الشرق الأوسط"، وبعدها حلمه في تحقيق "إسرائيل الكبرى". هذا ما أخرج أهدافه الرئيسة التي دعمه فيها العالم من سياق التأييد الدولي. لهذا بدأت ساحات الدول تشهد احتجاجات وتظاهرات مؤيّدة لغزّة، ومندّدة بجرائم الاحتلال بحقّ السكّان.

بدأت إسرائيل تخسر هيبتها، وتتحوّل، بقيادة نتنياهو، وحشاً كاسراً، وبدأت الدول التي أيدت تحرّكات تل أبيب في بداية الحرب تتحوّل دولاً تدين إسرائيل على جرائمها. لقد أصبحت إسرائيل اليوم دولةً شبه معزولة، إذ حتّى الأرجنتين، الدولة الداعمة لإسرائيل، ألغت زيارةً كانت مقرّرةً لنتنياهو إلى البلاد، بعدما اعتذر رئيسها خافيير ميلي عن استقباله، لا بل طالبت منظّمات باعتقال الرجل وتسليمه إلى محكمة العدل الدولية تطبيقاً لقرار الاعتقال الصادر بحقّه.

لم تعد واشنطن قادرةً على التغطية دولياً على إسرائيل، خصوصاً أن جيشها لم يزل بعيداً من الحسم الميداني في القطاع، ولا على أخذ "حماس" إلى التفاوض المشروط. كذلك الأمر، فإن شعبية إسرائيل بين الأميركيين بدأت تتراجع على نحوٍ ملحوظ، والحزب الجمهوري الذي يمثّله ترامب أمام انتخابات برلمانية نصفية، يحتاج إلى مبادرة إنقاذيّة، إذ أظهر استطلاع جديد أجرته صحيفة نيويورك تايمز، بالتعاون مع جامعة سينا، تحوّلاً جذرياً، خصوصاً في ظلّ اسمرار حرب الإبادة على غزّة. وتشير النتائج إلى تراجع كبير في الدعم الشعبي الأميركي لإسرائيل، الحليف التقليدي الذي حظي بدعم حزبي واسع.

وضع ترامب خطّته، ودفع بنتنياهو إلى القبول بها، ولكنّه في المقابل أطلق تهديداً واضحاً لحركة حماس في أنّ عدم القبول بها يعني دعم نتنياهو لتحقيقها بالقوة العسكرية. هذا ما يؤكّد أنّ الهدف من الخطّة إعادة "تعويم" نتنياهو دولياً، بعدما كانت قاعة الأمم المتحدة شبه فارغة أثناء إلقاء كلمته فيها. فإن قبول نتنياهو للخطة، يعتبر "تمثيلاً" ليبدو دولياً منفتحاً على أيّ مبادرة لإنهاء الحرب، سيّما أن خطّة ترامب وجدت ترحيباً عالمياً غير مسبوق بها. هذا ما سيعيد لإسرائيل قرار المبادرة إن رفضت "حماس" الخطّة، ما يعطيها شرعيةً دوليةً جديدةً للسير في الحرب، تماماً كما كان الحال في "7 أكتوبر".

لم ينتظر نتنياهو ليفرج عن أساريره للعودة إلى تل أبيب، بل أشاد بخطّة ترامب المكوّنة من 20 نقطة لإنهاء الحرب في غزّة، وذلك في بيان مصوّر من واشنطن، وقال في فيديو نشره في صفحته في "إكس" (الثلاثاء 30 سبتمبر): "كانت زيارةً تاريخيةً، بدلاً من أن تعزلنا حماس، قلبنا الأمور، ونجحنا في عزلها". تقف "حماس" اليوم في موقفٍ لا تحسد عليه، فهي بين خيارَين أحلاهما مرّ، وسيرتدّ قبول الخطة أو عدمه على غزّة وساكنيها. لهذا، وفي انتظار الساعات المقبلة، والردّ الحمساوي على الخطّة، يتساءل المتابع: أي مصير لغزّة ينتظرها؟

المصدر : العربي الجديد

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".