عندما يحذّر أردوغان من غزو إسرائيل دمشق
تشرين الأول 16, 2024

عمر كوش

كان لافتاً أن يحذّر الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان من أنّ تنفيذ إسرائيل تهديداتها باحتلال دمشق سيمزّق البلاد، وأن تركيا "ستدافع عن السلام العاجل والدائم في سورية"، ولم يكتفِ بذلك، بل طالب روسيا وإيران وسورية بأن تتّخذ إجراءاتٍ أكثر فاعلية لحماية سلامة الأراضي السورية، وقال إنّ إسرائيل تشكّل "تهديداً ملموساً للسلام الإقليمي والعالمي".

لا تخرج تصريحات أردوغان (أدلى بها خلال عودته من ألبانيا في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري) من أجواء التوتّر المخيّمة على دول المنطقة، وتعكس إرهاصاتِ حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزّة منذ أكثر من عام، وتوسيعها نطاق الحرب لتطاول الجنوب اللبناني وقادة وعناصر حزب الله في لبنان، وذلك في وقتٍ تستعدّ فيه لتوجيه ضربة عسكرية ردَّاً على الضربة الإيرانية في الأول من أكتوبر الجاري، وبما يزيد من أجواء التوتّر والاحتقان، وينذر بامتداد لهيب الحرب إلى دولٍ أخرى في المنطقة.

ويبدو أنّ الرئيس التركي استند بشكل مباشر إلى تصريحات رئيس حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان، التي طالب فيها بتوجيه ضربة استباقية لنظام بشّار الأسد باحتلال الجيش الإسرائيلي الجزء السوري من جبل الشيخ في الجولان المحتلّ، وذلك منعاً لأيّ هجوم على إسرائيل، وعقاباً للأسد على "جعل سورية قاعدةً لوجستيةً ومركزاً خلفياً لأعداء إسرائيل"، حسب زعمه. ولعلّ ما أراد الرئيس أردوغان التحذير منه أنّ "الإسرائيليين يقولون صراحة إنّهم سيغزون دمشق بعد لبنان، ويعني ذلك وصول الجنود الإسرائيليين إلى حدود تركيا وتمزيق الخريطة السورية بالكامل". وسبق للبرلمان التركي أن عقد جلسةً خاصّةً ومغلقةً في الثامن من أكتوبر الجاري، ناقش فيها "التهديد الإسرائيلي" للأراضي التركية، بناء على طلب من رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، أوزغور أوزال، وذلك على خلفية الجدل الواسع الذي أثاره تصريح للرئيس أردوغان نفسه، اعتبر فيه أنّ إسرائيل تخطّط لاستهداف تركيا بعد لبنان وقطاع غزّة.

ليست تصريحات الرئيس أردوغان، التي حذّر فيها من "غزو إسرائيل دمشق"، واستهدافها تركيا، المؤشّر الوحيد إلى تزايد قلق الساسة الأتراك من التطوّرات في المنطقة، إذ سبقتها زيارة ميدانية لقائد القوات البرّية في الجيش التركي سلجوق بيرقدار أوغلو إلى الشمال السوري في بداية الشهر الجاري (أكتوبر)، تفقّد فيها القواعد العسكرية التركية، التي أجرت أخيراً اختباراتِ جاهزيةٍ مكثّفةٍ وغير مُعتادة. هناك تقديرات في أوساط سياسية تركية ترجّح احتمالات توسيع نطاق الحرب في المنطقة، مع تخوّف من أن يؤثّر ذلك على المصالح التركية، لذلك يحاول الساسة الأتراك استباق تفاقم الأوضاع، ومنع امتداد إرهاصاتها، عبر مساعٍ للتنسيق مع دول الإقليم، وخاصّةً مصر والسعودية، إضافة إلى استمرارهم في محاولات التقارب مع نظام الأسد وتطبيع العلاقات معه.

في المقابل، أبدى نظام الأسد حرصه الشديد على الحفاظ على مسافة بينه وبين أطراف محور المقاومة والممانعة، والإيحاء بأنّه انسلخ عنها، فحافظ طوال أكثر من عام على هدوء الحدود مع إسرائيل، باستثناء بعض المناوشات الصاروخية المحدودة للغاية، التي تقوم بها مليشيات إيرانية. كما أظهر النظام نوعاً من اللامبالاة في تعاطيه مع حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على الفلسطينيين في غزّة، ولم يتغيّر موقفه حين وسّعت إسرائيل نطاق هجماتها على حزب الله، وقامت باغتيال معظم قادته، بمن فيهم أمينه العام حسن نصر الله، وذلك على الرغم ممّا قدّمه حزب الله لنظام الأسد، حين زجّ بقادته وعناصره في القتال إلى جانب الأسد منذ بداية الثورة السورية، متحوّلاً مليشيا طائفيةً عابرةً لحدود الدول العربية، استماتت في خدمة نظام الأسد بوصفه أحدَ دعائم المشروع الإيراني التوسّعي في المنطقة.

المشكلة في التقديرات التركية تعويلها على نظام الأسد، وعلى روسيا، لاتخاذ خطوات حيال تهديدات إسرائيل باحتلال دمشق. وهو تعويل متهافت بالنظر إلى أنّ ما تقوم به إسرائيل من هجمات وتوغّلات في الأراضي السورية قابلها نظام الأسد بالصمت، الذي بات يلوذ به مع كلّ استهداف إسرائيلي للمواقع الإيرانية ومواقع حزب الله فيها، بل إنّه لم يحرّك ساكناً حين توغّلت قوات إسرائيلية في الجنوب السوري في 12 أكتوبر الجاري، وذلك من باب حرصه على عدم اتخاذ أيّ خطوةٍ يمكن أن تُفهم خارج السياق الذي وضع نفسه فيه، وجعله لا يتفوَّه بكلمة عن الثأر أو حقّ الردّ في المكان والوقت المناسبَين، بوصفها العبارة التي درج على استعمالها لفظياً سنوات طويلة. أمّا الجانب الروسي، المعروف عنه تنسيقه العالي مع الجانب الإسرائيلي المتواصل منذ سنين طويلة، وفي أعلى المستويات، فقد أعاد انتشار قوّاته العسكرية التي وجدت في الجنوب السوري، وانسحب من نقاط عدّة، ولم يبدِ أيَّ اعتراض على العمليات الإسرائيلية في سورية، ومنها توغّلها أخيراً في سورية، الأمر الذي اعتبرته وسائل إعلام تركية بمثابة مؤشّر إلى تراجع الموقف الروسي لصالح الغرب في سورية، ووصفته بأنّه لا يخدم المصالح التركية، ما يعني أنّ تعويل الساسة الأتراك على تناقضات المواقف الأميركية الروسية لم يثمر شيئاً.

وبصرف النظر على تحذيرات الرئيس أردوغان، التي لها حساباتها الداخلية التركية، فإنّ أعين حكومة الحرب في إسرائيل لا تغادر الجنوب السوري، الذي تتمركز فيه مليشيات مرتبطة بإيران، وتتخوّف من أن تشكّل منطلقاً لاستهدافها، وذلك على الرغم من أنّ نظام الأسد سيسعى جاهداً لمنع حصول أيّ تصعيد في جبهة الجولان مع إسرائيل. وفيما تراقب إسرائيل الوضع فيها، فإنّها في الوقت نفسه تركّز أنظارها على شمال شرقي سورية، الذي يُعَدُّ بوابةَ عبور السلاح والمليشيات الإيرانية إلى الأراضي السورية، ثمّ إلى لبنان، لذلك وجّهت تحذيراً واضحاً لماهر الأسد من مغبة نقل الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله. فهم نظام الأسد الرسالة الإسرائيلية، ولن يحيد عن محاولات فعل أيّ شيء في مقابل النجاة بنفسه، والرهان على محاولات إعادة تأهيله، وربّما لن يتوانى في البحث عن دور جديد حين تضع الحرب أوزارها، حتّى لو كان على جثث عناصر حلفائه في محور الممانعة.

المصدر : العربي الجديد

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".