محمد
العرب
"والله
يا محمد، العدس وقف معنا وقفة… أحسن من كلّ الدول العربيّة!”… بهذه العبارة تختصر
دعاء من غزّة، الحكاية كلّها. ليست مجرّد قصة جوع، بل رواية خذلان. ليست مجرّد
مجاعة، بل حساب طويل لمعادلة الظلم والصمت.
غزّة
ليست ضحيّة الجوع فحسب، بل ضحيّة حصار، وسكوت، وعيونٍ ترى ولا تبصر، وآذانٍ تسمع
ولا تنجد.
من العدس
خُبزٌ ودقّة وصبر
في رسالة
موجعة، تحكي دعاء تفاصيل يوميّاتها: "بقيان عنا حمص وعدس. العدس بنعمله فلافل،
طبيخ، دقّة… ومنطحنه، بنعجنه مع شويّة طحين لأنو الطحين غالي. منعمل خبزة عدس،
بنغمّسها بدقّة عدس، ونتغدّى طبيخ عدس… والله هي اللي بيصير”.
حتى
القهوة التي كانت يومًا طقسًا، صارت تُحضّر من الحمص أو العدس. كلّ شيء يُعاد
اختراعه من لا شيء، وكلّ وجبة تُنسج من حفنة صبر.
الطحين
مثل البورصة… والمياه حلم بعيد
تتابع
دعاء: "الطحين بـ١٦٠ شيكل، العدس بـ١٠٠، الزيت بـ٩٠، المكرونة بـ٦٠، والماجي
مكعّبه بـ١٠ شواكل”. المحلّات فارغة، المعلّبات نادرة، البهارات تغيّرت نكهتها،
والماء يُشترى بثلاثة شواكل للغالون، ويُحمَل من مسافات تصل إلى كيلومترين.
الأسواق
تحوّلت إلى مشاهد مأساويّة: بسطات فقيرة، ووجوه يائسة، وصمت يُدوّي أكثر من صوت
القصف.
سيارات
المساعدات… ومشهد الانفجار
"اليوم الناس هجمت على سيارات المساعدات، كانوا
تقريبًا ٢٠٠ ألف شخص!” تقول دعاء، وتضيف: "الناس بتقع من التعب بالشوارع… عم تغمّى
عليها، عم تبكي، عم تصرخ، وما حدا سامع”.
المعابر
مغلقة، المرضى لا يُسمح لهم بالخروج، حتى الأطفال لا يجدون ما يسدّ جوعهم. "ما عم
نلاقي شي ينطبخ!”، تقولها دعاء بحرقة.
ما نراه
ليس أزمة… بل حساب خذلان
غزّة
ليست مجرّد مجاعة. الجوع ليس قدرها الطبيعيّ. هذه أرض تقاتل وحدها، وتدفع ثمن
خذلان الأنظمة العربيّة والإسلاميّة، التي تواطأت بالصمت، والتبرير، أو بالسكوت
المُريب.
"السوشيال ميديا ما بتوصّف حتى ٥٠٪ من الواقع”،
تقول دعاء. ثم تضيف ما هو أعمق من كلّ الإحصاءات: "نحنا مش بس جوعانين… نحنا
موجوعين من الخذلان”.
في لحظة
الحقيقة، لا تبقى إلّا يد السماء، والرجاء بالله. كلّ ما هو على الأرض… إمّا
مشغول، أو غائب، أو متآمر.
غزّة لا
تجوع فقط… بل تُخذل.
لا تنتظر
المعونة، بل الكرامة.
لا تصرخ
ألمًا فقط… بل نداءً إلى من بقيت فيهم نخوة، أو حياة.
فهل يسمع
أحد؟
أم أنّ
"لا إله إلّا الله” صارت وحدها السند والملجأ؟
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن
"آفاق نيوز".