إحسان
الفقيه
أيهما
سابق للآخر: الاحتلال أم المقاومة؟
ذلك هو
السؤال الذي ينبغي أن نطرحه عند التفكير بشأن اشتراط الحكومة الإسرائيلية نزع سلاح
المقاومة الفلسطينية من أجل وقف إطلاق النار. تحرير هذه المسألة يضع الأمور في
نصابها، ويضع كذلك الجاني والضحية كل في مكانه، فلولا أن هناك احتلالا غاشما
جاسمًا على صدور الفلسطينيين منذ عام 1948، لما وُجدت المقاومة المسلحة بالأساس.
فلسطين هي الدولة الوحيدة في العالم التي وقفت عند حدودها القاعدة المتفق عليها في
كل الأعراف الدولية، وهي الحق المشروع للشعوب في الكفاح المسلح لنيل حريتها
واستقلالها. لقد فرض الاحتلال والراعي الأمريكي في ظل الخور العربي، رؤية جديدة
تتعلق بالصائل الصهيوني وأصحاب الأرض، مفادها أن المقاومة المسلحة لتحرير فلسطين
هي أعمال عدائية لضرب عملية السلام. أعترف بأن الاحتلال قد نجح في اجتزاء الأحداث
الراهنة من سياقها التاريخي، فأُسقطت الخلفية التاريخية لها، فلم يعد ينظر إليها
على أنها عدوان واحتلال بدأ منذ ثمانية عقود ارتكبت فيه قوات الاحتلال أبشع الجرائم،
وتمددت في أرض أصحاب الحق، بل غدا تقييم الموقف منزويا عند توقيت انطلاق عملية
طوفان الأقصى، التي تم تصويرها على أنها بداية العدوان وذبح السلام، ومن ثم فإن
الرد الإسرائيلي كان منطقيًا، وترتب عليه أن تدفع المقاومة ثمن هذه الحماقة وترضخ
لهذه الشروط، هكذا يفكر بعض المنبطحين من أمتنا.
أليس
أمرًا مضحكًا أن المحتل الذي يمتلك السلاح النووي وأعتى ترسانة أسلحة في المنطقة،
يشترط على أصحاب الأرض نزع أسلحتهم التي ليس فيها ولا بينها طائرات أو دبابات أو
مدرعات أو قطع بحرية؟
ذكرني
ذلك بما قرأته عن حقبة الاحتلال البريطاني لفلسطين، حيث حظرت بريطانيا على
الفلسطينيين أصحاب الأرض حيازة السكاكين الطويلة، في الوقت الذي كانت تُسلح وتدرب
عصابات الهاجاناه والإرجون وشتيرن اليهودية الدخيلة. ويقينًا لو لم تمتلك المقاومة
سوى السكاكين لأراد الاحتلال نزعها.
كل من
يرضى أو يدعو المقاومة إلى نزع سلاحها، لو سألته ماذا لو احتل العدو بلدك واعترفت
به الدول الكبرى والأمم المتحدة؟ لأجاب قطعًا: الشعب سيدافع عن أرضه بكل ما أوتي
من قوة، ولتذهب الأمم المتحدة وكل قوى العالم إلى الجحيم.
مسألة
المقاومة ليست مسألة جزئية في فلسطين، ولا تتعلق بفصيل له توجهاته الفكرية، إن
المقاومة فكرة مشروعة، وترجمتها إلى إجراءات واقعية للتحرير حق مشروع، سواء قاد
زمامها حماس أو فتح أو أي كيان فلسطيني، سواء قاد زمامها مسلم أو مسيحي، فهي قضية
عامة تتعلق بحق أصيل مكفول بالشرائع السماوية والدساتير الأرضية، وهو حق الشعوب في
نيل استقلالها.
تسليم
المقاومة سلاحها يعني أنها تدفن رأسها في الرمال وتعمى عن النظر إلى التجارب
القريبة السابقة، فكل من رضي بأن يسلم سلاحه لعدوه كان بانتظاره مصير مشؤوم. في
ثمانينيات القرن الماضي وافقت منظمة التحرير على تسليم أسلحتها بعد حصار بيروت،
مقابل الخروج الآمن وبضمانات دولية، فارتكب الاحتلال بعدها بأيام قليلة مجزرة
صابرا وشاتيلا.
أوكرانيا
ورثت ترسانة نووية ضخمة عن الاتحاد السوفييتي وكذلك صواريخ عابرة للقارات، لكنها
استجابت لضغوط دولية بالتخلي عن النووي، فوقعت عام 1994 على مذكرة بودابست مع
أمريكا وروسيا وبريطانيا، بتسليم كامل ترسانتها إلى روسيا، مقابل احترام سيادة
أراضيها، وها هي الآن تتسول الغرب في حمايتها من الروس. في حرب البوسنة في
التسعينيات، وعدت الأمم المتحدة بحماية سربرنيتسا وجعْلها منطقة آمنة مقابل نزع
سلاح القوات البوسنية، ولم يتم في المقابل نزع سلاح الصرب، فكانت النتيجة تعرضت
المدينة لأبشع مجازر العصر على مرأى ومسمع القوات الدولية، والأمثلة كثيرة.
فالاحتلال
الذي يشترط نزع سلاح المقاومة، إنما يطالب الفلسطيني بتقييد يديه ليقوم هو بذبحه.
سلاح
المقاومة حق للشعب الفلسطيني وليس حقا لحماس أو أي من الفصائل، ولا يحق لهذه
الفصائل أن تتخلى عنه ما بقي السبب الذي من أجله رفعت السلاح، وهو الاحتلال
الصهيوني الجائر، والذي لم يجلسه على طاولة التفاوض يومًا سوى ذلك السلاح، والله
غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المصدر :
الشرق القطرية
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".