د. وائل
نجم
ختم
الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، زيارته السريعة إلى المنطقة، والتي أعلن فيها من
"الكنيست" الإسرائيلي انتهاء الحرب على غزة، بلقاء مع مجموعة من رؤساء
وملوك دول عربية وإسلامية وأوروبية وآسيوية ضمّ قرابة عشرين دولة. العنوان العام
للقاء كان التوقيع على وثيقة انتهاء الحرب على غزة ووقف إطلاق النار، غير أنّ
الكثير من الحاضرين لم يكن لهم أيّ دور في الوساطة لوقف الحرب، حتى أنّ الطرفين
المعنيين بشكل رئيسي وأساسي بالحرب لم يكونا بين الحاضرين، أعني بذلك كيان
الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، بل حضر رئيس السلطة الفلسطينية علماً
أنّ الدعوة وُجّهت له في وقت متأخّر؛ كما وأنّ الحديث عن غزّة ووقف الحرب فيها أو
عليها، وما يتصل بها لم يكن حاضراً بشكل أساسي في لقاءات القادة والرؤساء على
اعتبار أنّ الاتفاق قد تمّ والحفل هو للإشهار فحسب. وهذا ما استدعى البحث عن الهدف
الأساسي من وراء هذا اللقاء، وهنا طُرحت بعض الأسئلة لإثارة النقاش والبحث عن
إجابات تشرح وتجلّي الصورة عن هذا التجمّع، ومن بين الأسئلة التي طُرحت سؤال عمّا
إذا كان هذا اللقاء في شرم الشيخ أسّس أو سيؤسّس لتحالف عريض يجمع العديد من الدول
العربية والإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية؟ وماذا عن كيان الاحتلال
الإسرائيلي وتموضعه من هذا التحالف إذا ما تشكّل؟ وضد من هذا التحالف بالأساس؟
الواقع
أنّ أحداث السابع من أكتوبر 2023 ومعركة "طوفان الأقصى" خلطت معظم
الأوراق ليس على مستوى المنطقة العربية الإسلامية فحسب، بل على مستوى العالم
أيضاً. صحيح أنّ المقاومة الفلسطينية لم تهزم كيان الاحتلال الإسرائيلي بالضربة
القاضية (طوفان الأقصى) يوم السابع من أكتوبر، غير أنّها سدّدت إليه ضربات موجعة
جعلته يخسر الحرب المعنوية والسياسية والإعلامية حتى أنّه بات يعاني من عزلة دولية
واضحة تبدّت بشكل واضح في الاعتراف الدولي الواسع والكبير بـ "دولة
فلسطين"، وفي مقاطعة كلمة رئيس ورزاء كيان الاحتلال الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حتى أنّ ترامب خاطب نتنياهو مؤكّداً
له على أنّ "إسرائيل" لا يمكنها أن تحارب وتواجه العالم في اعتراف صريح
بالخسارة التي لحقت بكيان الاحتلال في هذا الجانب. وصحيح أيضاً أنّ كيان الاحتلال
الإسرائيلي لم يربح الحرب ولم يهزم المقاومة الفلسطيينة على الرغم من حرب الإبادة
التي ارتكبها في قطاع غزة، وعلى الرغم من القوّة المفرطة التي استخدمها من أجل
إنهاء المعركة لصالحه، وهنا بلغت الأمور مستوى من التعقيد باتت فيه بحاجة إلى حلّ
يضع حدّاً لحالة التدهور التي كانت تنذر بخروج الأمور عن نطاق السيطرة وتحوّل
المشهد إلى مواجهات مفتوحة قد تتحوّل إلى حروب كبرى أو عالمية، وهنا كان لا بدّ
للأمريكي من التدخّل ووضع حدّ لأنّه يخشى ذلك، ويخشى التدخّل المباشر وتحوّل
المنطقة إلى حالة استنزاف تستنزف القوّة الأمريكية في وقت وفي لحظة تريد واشنطن
الاحتفاظ بالسيطرة والتحكّم بالنظام العالمي الآحادي القطبية في عالم يصارع من أجل
إسقاط هذه الآحادية لصالح إنتاج نظام عالمي جديد، وهذا بالطبع يعني أنّ الولايات
المتحدة أدركت أنّ عليها أن تضع حدّا للحرب، وتتجه نحو إنتاج صيغ مقبولة للمنطقة
تحافظ فيها على نوع من إدارة الأزمة بانتظار جلاء الغبار في المشهد العالمي، خاصة
وأنّ الحرب بين روسيا وأوكرانيا ما زالت تنذر بتمدّدها إلى كلّ أوروبيا، وما زالت العلاقة
مع الصين متوتّرة على خلفية محاولات الصين استرجاع "تايوان" وفي ظلّ
الحرب الاقتصادية المندلعة بين الولايات المتحدة والصين.
أمام هذا
المشهد رأت الولايات المتحدة أنّ الأمر بات يحتاج إلى حلّ في المنطقة العربية ولو
مؤقّتاً، من دون التخلّي عن دعم كيان الاحتلال وضمان أمنه واستقراره، ولكن من دون
تركه ينفّذ برامجه وخططه للمنطقة كما كشف نتنياهو خلال الحرب كالحديث عن تغيير
"الشرق الأوسط" وإقامة "إسرائيل الكبرى"؛ ورأت أيضاً أنّ
الحاجة إلى دول المنطقة العربية والإسلامية حاجة قائمة، بل ربما ملحّة، خاصة عندما
لمست واشنطن "فزعة" عربية إسلامية بعد العدوان على قطر، وملامح بداية
تحوّل في الخيارات الاستراتيجية للدول العربية والإسلامية، وهنا كان لا بدّ من
موقف ومن خريطة جديدة في السياسة تقوم على الاحتفاظ بعلاقات متوازنة ومتزنة بينها
(الولايات المتحدة) وبين كلّ من الدول العربية والإسلامية من ناحية وكيان الاحتلال
الإسرائيلي من ناحية ثانية ولو كانت ظرفية ولزمن معيّن، والجميع يدرك ذلك ويدرك
أيضاً أنّ الولايات المتحدة لن تتخلّى عن دعمها لهذا الكيان المحتل باعتباره
"قاعدة" متقدّمة في المنطقة، وعليه شرع ترامب في الضغط الحقيقي لإنهاء
الحرب ولو مرحلياً.
وأمّا
الإجابة عمّا إذا كان هذا اللقاء يؤسس لتحالف أو شراكة عربية إسلامية مع الولايات
المتحدة الأمريكية في ظلّ المتغيّرات الدولية، فيمكن القول: نعم. أدركت الدول
العربية والإسلامية أنّ حجم المخاطر والتحدّيات المحدقة بها كبيرة وكثيرة ومن أكثر
من اتجاه، وتحتاج في مواجهتها لنسج تحالفات فيما بينها أولاً ومع غيرها ثانياً،
ولعلّ العلاقات أو التحالف مع الولايات المتحدة في هذه المرحلة يجنّبها تلك
التحدّيات.
وأمّا عن
الحديث عن انضمام كيان الاحتلال إلى هذا التحالف الذي يمكن أن ينشأ، فليس من الضرورة
ذلك؛ الدول العربية والإسلامية تفضّل ربط النزاع معه، والولايات المتحدة تفضّل
إدارة نزاع مضبوط بين الطرفين لا يستدعي انحياز طرف إلى أيّ تحالف أو تجمّع دولي
آخر، وبالتالي تكون المرحلة محكومة بنوع من المساكنة إلى حين.
وأمّا عن
الجهة التي ستكون مواجِهة لهذا التحالف المحتمل، فلكلّ طرف فيه أو عضو منه حساباته
الخاصة؛ الولايات المتحدة تريد المنطقة معها في مواجهة كلّ من روسيا والصين؛ الدول
العربية والإسلامية لا يهمّها هذا الموضوع كثيراً ولكنّها تريد أن تحمي نفسها من
أيّ تحديّات في المنطقة يمكن أن تكون على حسابها وحساب مصالحها، وبالتالي فإنّ هذا
التحالف إذا ما نشأ سيكون ظرفياً يخدم مصالح المنضوين فيه إلى حين أن يتجاوز
أعضاؤه المرحلة التي يرونها ضرورة لذلك.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".