وصار للبنان رئيس!
كانون الثاني 14, 2025

د. وائل نجم

أنهى المجلس النيابي اللبناني يوم الخميس الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى والذي استمرّ لعامين وشهرين وبضعة أيّام، غير أنّ الولادة بدت قيصرية شابها العديد من الملاحظات والتدخّلات والإيدي من هنا وهناك وصولاً إلى انتخاب قائد الجيش، العماد جوزيف عون، رئيساً للجمهورية.

على مدى اثنتي عشرة جلسة عقدها المجلس النيابي خلال العامين الماضيين لم يتمكّن المجلس من انتخاب رئيس مع أنّ قائد الجيش كان من الأسماء الأساسية المطروحة للرئاسة من الجلسة الأولى، والسبب في ذلك كان يعود إلى رفض كتل نيابية أساسية انتخابه تارة بحجّة عدم دستورية الانتخاب ( الدستور يمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى ومنهم قائد الجيش إلا إذا استقالوا قبل عامين من الانتخاب)، وتارة أخرى من دون حجّة بل من ضمن الحسابات السياسية التي تتصل بالربح والخسارة ومصالح كل طرف سياسي. في جلسة الخميس سقطت الحجج والذرائع، ومن دون تعديل الدستور تمّ انتخاب قائد الجيش رئيساً خاصة وأنّ المتغيّرات السياسية في لبنان والمنطقة دفعت إلى إعادة التفكير وتقييم الحسابات لدى الجميع.

مهمّ جدّاً انتخاب الرئيس وملء الفراغ الرئاسي، ولكنّ الأهمّ كيف سيقارب الرئيس الجديد التحدّيات التي تواجه لبنان في المرحلة المقبلة! خاصّة وأنّ المتغيّرات في المنطقة تنعكس بشكل كبير على لبنان، والأهم أنّ لبنان وقّع لتوّه اتفاقاً لوقف إطلاق النار مع "إسرائيل" بدا للكثير من اللبنانيين كما لو أنّه صك استسلام، بل هو كذلك.

يدرك الجميع أنّ انتخاب الرئيس جوزيف عون جاء بدعم دولي عربي واضح وبيّن، إذ أنّ ممثّلين في اللجنة الخماسية التي كانت تقود المساعي للتوفيق بين اللبنانيين بخصوص انتخاب الرئيس أبلغ عدداً من النوّاب والكتل قبل جلسة الانتخاب أنّه ليس لديهم (ممثلي دولهم أو لجنة خماسية) سوى خيار واحد هو انتخاب قائد الجيش، ولا معنى لأيّ مرشح آخر بالنسبة لهم، فيما الانقسام الداخلي اللبناني حيال ذلك كان واضحاً، فلا النوّاب الذين يمثّلون الكتلتين الشيعيتين (أمل وحزب الله) كانوا في وارد انتخابه، ولا الكتلتين المسيحيتين الأساسيتين (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) كانوا أيضاً في وارد انتخابه، ولكلّ من هذه الكتل حساباته الخاصة الضيقّة أو الاستراتيجية. غير أنّ هذه الكتل وأمام الإصرار الدولي العربي، وأمام انعدام الخيارات للخروج من نفق الأزمة بدون مساعدة دولية عربية، خضعت وسارت في ركب الانتخاب، وطوت خلفها كلّ حديث عن السيادة والدستور مع الإشارة إلى أنّ كتلة التيار الوطني ظلّت على رفضها ولم تسر في ركب السائرين.

التحدّي الأساسي أمام الرئيس الجديد إثبات القدرة على عدم السماح للأطرف الخارجية التدخّل في الشأن الداخلي اللبناني، وهو ما ورد في خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس المنتخب، لكنّ العبرة تبقى بالتنفيذ، خاصة وأنّ الدول التي دعمت وصول القائد إلى سدّة الرئاسة لديها مجموعة من الأهداف تريد تحقيقها بغض النظر عن مدى انسجامها وتطابقها مع الأهداف والمصلحة اللبنانية.

لبنان اليوم أمام امتحان صعب في ظلّ العهد الجديد. هناك من يريد لهذا العهد أن يواصل ما بدأه العدوان الإسرائلي على لبنان تحت عنوان استعادة الدولة ومؤسساتها وهيبتها؛ وهناك من يريد أن تبقى الدولة غائبة عن الفعل والحدث ويبقى الفاعلون الأساسيون من خارج منظومة الحكم ليظلّ لبنان ساحة مستباحة لمشاريع عديدة وكثيرة في المنطقة، في حين أنّ المطلوب لبنانياً أن تسود حالة من التوازن الذي يبقي الدولة صاحبة القرار من ناحية، ولا يجلعها أداة في أيدي مشاريع الآخرين من ناحية ثانية.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز"